١٠٩- ذكرنا أن العلاقة بين الكنيستين على أشد ما يكون الخلاف، كل تعد الأخرى قد خرجت عن نطاق الدين، وقد كانت الحال من قبل كذلك بين كنيسة القبط بمصر والكنائس الأوربية. ونزل بمصر أشد البلاء. ولم ينقذهم إلا الفتح الإسلامي، فمن وقت حكم المسلمين لمصر والشام إلى الآن شعر المصريون بحريتهم التي لم يستمتعوا بها من قبل، حتى أهداها إليهم الإسلام السمح الكريم.
ولما اختلفت الكنيسة الغربية مع الكنيسة الشرقية كان من المنتظر أن تنزل أحداهما بالأخرى أشد البلاء، ولكن ذلك لم يتم أول الأمر لانقسام الدولة الرومانية إلى شرقية وغربية، واعتصام كل واحدة منهما بدولة، لذلك لم تتمكن واحدة منهما من رقبة الأخرى. فلم تقبض على ناصيتها.
ولكن ما أخذت الدولة الشرقية في الانحلال، وخلفها المسلمون على بعض أملاكها، وأخذوا يقصونها من أطرافها، أخذت ترجح إحدى الكفتين على الأخرى فقويت الغربية، وصارت لها السيادة. واعترف بطريرك القسطنطينية له بالتقدم عليه في الجلسة. وإن لم يعترف بأنها على حق فيما يختلفان فيه، وما اختلفا فيه من قبل، والبلاد التي اقتطعها المسلمون كانت تنعم بالحرية الدينية كشأن المسلمين في معاملتهم لغيرهم.
ولما جاءت الحروب الصليبية، استولى الصليبيون على أورشليم التابعة كنيستها للكنيسة الشرقية وغيرها من المدن الإسلامية التي يعيش في ربوعها المسيحيون آمنين مطمئنين، لا يزعجهم اضطهاد، ولا يرتق صفاءهم ضغط، ثم ثنى أولئك الصليبيون أتباع الكنيسة الغربية، فاستولوا على دولة الرومان الشرقية نفسها، فأنزلوا بأخواتهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون.
ولنترك الكلمة للمسيحي صاحب سوسنة سليمان، فهو يقول: "حرك البابا أتوسنت الثالث قواد الصليبيين لنزع المملكة الشرقية من يد اليونان، فافتتحوا القسطنطينية سنة ١٢٠٤، وداموا متسلطين عليها إلى سنة ١٢٦١ م فاستعملوا ما أمكنهم من البربرية في الأراضي التي