إن التاريخ يقص علينا أن الأديان التي كانت في بلاد الرومان ناشئة: الوثنية الرومانية، واليهودية، والمسيحية الناشئة، فهل علمت الفلسفة على إيجاد ديانة تجمع بين المسيحية واليهودية، وفيها وثنية؟ وهل المسيحية التي تؤمن بالتوراة التي عند اليهود على اختلاف هين، ويؤمن بالتثليث وألوهية المسيح وتقديس الصليب، هي النظام الديني الجامع بين الأديان الثلاثة!! لنترك ذلك الآن. وقد وضعنا أمام القارئ المصباح الذي يرى به الطريق.
[الأفلاطونية الحديثة وأثرها في النصرانية:]
٢٢- ولنتجاوز رومة الرومان ولنعبر للبحر الأبيض، وليمم شواطئه الجنوبية، فهناك تجد مدينة الإسكندرية ومدرستها، وفلسفتها التي كانت تشع على العلم كله بنور العلم، وقد آوى إليها فلاسفة اليونان، وتابعوا الفلسفة اليونانية، والتي تراها تتجه اتجاهاً واضحاً إلى النواحي الدينية، والبحث في منشئ الكون.
كان شيخ هذه المدرسة امنيوس المتوفى سنة ٢٤٢، اعتنق في صدر حياته الديانة المسيحية. ثم ارتد عنها إلى وثنية اليونان الأقدمين، وجاء من بعده تلميذه أفلوطين المتوفى سنة ٢٧٠ وقد تعلم في مدرية الإسكندرية أولاً، ثم رحل إلى فارس والهند، وهناك استقى ينابيع الصوفية الهندية, وأطلع على تعاليم بوذا وديانته، وبراهمة الهند وديانتهم. وعرف آراء البوذيين في بوذا، والبراهمة في كرشنة، وقد عاد بعد ذلك إلى الإسكندرية، وأخذ يلقي بآرائه على تلاميذه، وجلها يتجه إلى تعرف ما وراء الطبيعة، ومنشئ الكون.
ويلخص اعتقاده في منشئ الكون في ثلاث أمور:
(أولها) أن الكون قد صدر عن منشئ أزلي دائم لا تدركه الأبصار، ولا تحده الأفكار، ولا تصل إلى معرفة كنهه الإفهام.
(ثانيها) أن جميع الأرواح شعب لروح واحد وتتصل بالمنشئ الأول بواسطة العقل.
(ثالثها) أن العالم في تدبيره وتكوينه خاضع لهذه الثلاثة، وهو تحت سلطانها، فإنه منشئ الأشياء وهو مصدر كل شيء، وإليه معاده لا ينصف