١٠١- هذه هي بعض المقالات والأهواء والنحل التي جاءت في عصر التوحيد ونفت صفاءه، وكانت نكتاً سوداء في وسط المسيحية الحق النضرة ولقد كان من الممكن أن تزول تلك الأمور العارضة، ويبقى الأصل سليماً نقياً، لم يتأشبه شيء من المفاسد، ولكن شرط ذلك أن يكون ثمة كتاب محفوظ لا يعتريه الشك من أي جانبي، ولا يتطرق إليه الظن والاحتمال، ليكون ميزاناً للحق والباطل، وليكون مقياساًَ تقاس به الآراء، وليكون مرجعاً يرجع إليه المختلفون.
ولكن الاضطهادات التي نزلت بالمسيحيين، ومصادرة الكتب وتحريفها بأمر الرومان، والأيدي العابثة المفسدة، كل هذا جعل مصادر المسيحية يعتريها الشك والريب، ومن وراء ذلك نفذت الأهواء والأساطير إلى القلوب، وأخذت تنال من المسيحية وصميمها من غير أن يعقب معقب بنص قاطع معتمد، وكتاب ثابت السند.
فكل نحلة تدعى لا تجد رداً لها من نص، وهي تروج لدى العامة لا بقوة الدليل أو النص، بل بقوة الداعي ومقدار لحنه بالحجة الباطلة والصحيحة، مقدار نشاطه وبيانه وسعة حيلته ودهائه، ودربته على جذب الجماهير.
ولقد كان جمهور المسيحيين يقدس المسيح أبلغ تقديس، فكانت مهارة الدعاة وقوتهم البيانية متجهة إلى هذه الناحية، يزيدون في تقديس المسيح فيزيدون كلامهم قبولاً لدى العامة، ثم انتقلوا من التقديس المعقول إلى الغلو المرذول، فغالوا حتى عدوه إلهاً.
وهكذا أخذت العقيدة تفسد، وكان العامة بين حبلين قويين، وكل حبل في يد عصبة من أولى القوة، فحبل التوحيد، ومعه العقل، ومعه الأصل ومعه السيادة للتوحيد، وحبل آخر قد أخذ يجتذب العامة إليه بقوة، وعمل على أخذهم بعاملين. عامل الاستهواء جاء من الناحية التي يحبونها، وأرضى شهوتهم فيها، وهي ناحية تقديس المسيح عليه السلام، وأخذ يلقي تعاليمه في النفوس، وقد وضعها في ذلك اللون الشهي، وذلك الطعم المستساغ.