للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مادة أو جوهر غير جوهر الأب، وكل من يؤمن إنه خلق، أو من يقول إنه قابل للتغير" (١) .


(١) اطلع زميلنا المرحوم الأستاذ الدكتور / محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية أصول الدين سابقا على هذا الاستنباط التاريخي فقال: إنه يوافق ما استنبطه بعض المستشرقين، ثم ترجمه، وتفضل فأرسل إلينا نصَّ الترجمة وهاهي ذي، ننشرها مع بحثنا شاكرين له - رحمه الله - فضل تعاونه:

التثليث ليس من المسيحية بل من الفلسفة الإغريقية
١- كانت المشكلة الفلسفية التي واجهت أولاً الإغريق هي: "ما مبدأ كل شيء؟ " "وباجتهاد الفلسفة في الإجابة عن هذا السؤال إجابة محدودة ومقنعة شيئاً فشيئاً كان لنا تلك المذاهب الفلسفية التي تتابعت في تاريخ الفلسفة الإغريقية. هذه فلسفة بدأت طبيعية مع الفلاسفة الأيونيين، ثم أخذت فكرة التوحيد في الظهور على أيدي سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، بحيث رأى هؤلاء أن المبدأ الذي صدر عنه العالم هو الله الواحد الذي لم يتغير، على غموض في تعيين هذه الصفات ونحوها مما يصح أن يتصف بها.
ولكن بمقدار تبين هذه المعارف والمعلومات عن الله كانت تكبر الصعوبة الأساسية التي اصطدمت بها المذاهب التي سبق سقراط: كيف تصدر الأشياء عن مبدئها؟ كيف يمكن أن يخرج الكثير - أي العلم - من الواحد، والمتغير من الذي لا يتغير؟ وإنه كلما قرب المبدأ الأول من الوحدة الحق بصيرورته روحياً، ومن عدم التغير الحق بصيرورته كاملاً، تتسع الهوة التي نفصله عن العالم وكثرته وتصير أكبر عمقاً، كما يصبح عسيراً فهم كيف يبرز الله العالم للوجود ويحركه.
٢- إذا كان الله واحداً وحدة مطلقة كيف يمكن أن يخلق الكثرة المختلفة دون أن يقبل في ذاته كثرة بأي وجه من الوجوه؟
وإذا كان كماله المطلق يقتضي عدم التغير، كيف تفهم إنه في وقت ما أوجد العالم دون أن يلحقه تغير، مع إنه أنتقل من حالة عدم العمل إلى حالة العمل؟ هما تظهر عبقرية العقل الآري! الواحد البريء من التغير لا يمكن أن يصدر عنه العالم المتكثر المتغير مباشرو، يجب إذن أن تتوسط بينهما وسائط أزلية متدرجة حسن نظام ميتافيزيقي.
٣- كان أفلاطون أول من أدرك تلك المشكلة وأول من أدرك هذا الحل الذي وجب على العقل الإغريقي فيما بعد - بعد إنضاجه طويلاً - أن يجتمع نهائياً عليه، أعني عقيدة ثلاثة أقانيم أو عقيدة التثليث - ص ٧٠ - ٧١.
٤- هذا المذهب أو هذه العقيدة التي تمثلها عقل أفلاطون، وأن أدركها إدراكاً فيه نوع غموض، ليس إلا عقيدة التثليث المشهورة =

<<  <   >  >>