١٠٦- كان فيما ذكرناه أعظم الانقسامات القديمة شأناً، وأبعدها أثراً، أن استثنينا الكنيسة القبطية، انقسام الكنيسة إلى يونانية ولاتينية وما يتبع ذلك الانقسام من انشقاق في المسيحية كلها، وما تفرع عن الأولى من فروع وفرق، وإنا نكتفي بهذا القدر من القول في الفرق القديمة التي مازال منها بقايا إلى أيامنا الحاضرة، ونختم القول فيها بانقسام الكنيسة إلى يونانية شرقية ولاتينية غربية، وقد نوهنا إلى الانقسام عند الكلام في المجامع، وأشرنا إلى أسبابه بالإجمال.
وقد تبين من هذا أن أساس الخلاف بين كنيسة القسطنطينية التي آلت إليها رياسة الكنيسة الشرقية اليونانية قاطبة، وكنيسة رومة التي آلت إليها رياسة الكنيسة الغربية اللاتينية أمران:
أحدهما - يتعلق بالاعتقاد - وهو أن كنيسة القسطنطينية ومن والاها من بعد اعتقدوا أن الروح القدس من الأب وحده، لا من الأب والابن، وكنيسة روما ومن والاها قد اعتقدوا أن الروح القدس منبثق من الأب والابن معاً، وعقد كل فريق مجمعاً تابع اعتقاده وتابعه فيما اقتنع به، وكان المجمع المتابع لرومة سنة ٨٦٩، والمشايع للأخرى بعده بعشر سنوات سنة ٨٧٩.
ثانيهما - لا يتعلق بالاعتقاد - ولكن يتعلق بالرياسة الكهنوتية، أهي لكنيسة القسطنطينية أم لكنيسة رومة؟ لقد قرر المجمع الذي شايع رومة أن تكون لرومة، فرئيس كنيستها هو الحبر الأعظم والرئيس الروحي للمجمع، وقرر المجمع الذي شايع القسطنطينية رفض تلك الرياسة وعدم الاعتراف بها، ويعتبرون رئيس القسطنطينية رئيساً عاماً للكنيسة.
ولقد تبع الاختلاف في هاتين المسألتين الرئيسيتين خلاف في مسائل أخرى أوجدها تتابع السنين واستمرار الشقاق، فقد كثرت أوجه الاختلاف في مسائل فرعية منها: