مصدق لما يأتي به الرسول وهي في الوقت ذاته إعلان صادق للروح، وبرهان قاطع على وجودها، فهذا طين مصور على شكل طير، ثم ينفخ فيه فيكون حياً، ما ذاك إلا لأن شيئاً غير الجسم وبيس من جنسه فاض عليه، فكانت معه الحياة، وهذا ميت قد أكله البلى، وأخذت أشلاؤه في التحلل، وأوشكت أن تصر رميماً، أو صارت, يناديه المسيح عليه السلام، فإذا هو حي يجيب نداء من ناداه، وما ذاك إلا لأن روحاً غير الجسم الذي غيره البلى حلت فيه بذلك النداء، ففاضت عليه الحياة، وهكذا. فكانت معجزة عيسى عليه السلام من جنس دعايته، وتناسب أخص رسالته، وهو الدعوة إلى تربية الروح، والإيمان بالبعث والنشور، وأن هناك حياة أخرى يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، إن خبرا فخبر، وإن شرا فشر. وهل ترى أن معجزة إحياء الموتى تسمح لمنكر الآخرة بالاستمرار في إنكاره أو تسمح لجاحد البعث والنشور أن يستمر في جحوده. وقد أسلفنا لك القول أن اليهود كان يسود تفكيرهم عدم الاعتراف بوجود الآخرة. وعدم الإيمان باليوم الآخر. إن لم يكن بالقول فبالعمل. فكان إحياء الموتى صوتاً قوياً يحملهم على الإيمان حملاً. ولكنهم كانوا بآيات الله يجحدون.
[تلقي اليهود لدعوته:]
١٣- بعث عيسى عليه السلام بتلك البينات، وأيد رسالته بتلك المعجزات وإنها باهرة تخرس الألسنة، وتقطع الطريق على منكري رسالته. لو كان الدليل وحده هو الذي يهدي النفوس الضالة، والقلوب الشاردة، ولكن القوم الذين بعث فيهم كانوا غلاظ الرقاب، قساة القلوب فكانت مهمته شاقة، إذ حاول هدايتهم، لأن منهم من علم الديانة رسوماً وتقاليد يتجهون إلى الأشكال والمظاهر منها. دون الاتجاه إلى لبها وغايتها. حتى لقد كان منهم من يحجم عن عمل الخير في يوم السبت زاعماً إنه داخل في عموم النهي عن العمل فيه، فإذا جاء المسيح داعياً إلى أن ينظروا إلى إصلاح القلب، يدل الأخذ بالمظاهر والأشكال فإنه لا شك يصدم هؤلاء فيما يألفون وفيما وجدوا سابقيهم.
واليهود قوم عكفوا على المادة، واستغرقتهم، واستولت على أهوائهم ومشاعرهم حتى لقد كان نساكهم وسدنة الهياكل عندهم، وقد