الله على إنه سبحانه لا يتقيد بالأسباب الكونية، وأن العالم كله بإرادته، ولم يكن سبحانه بمنزلة العلة من المعلول:{تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} .
الأمر الثاني: أن ولادة المسيح عليه السلام من غير أب إعلان لعالم الروح بين قوم أنكروها، حتى لقد زعموا أن الإنسان جسم لا روح فيه، وإنه ليس إلا تلك الأعضاء والعناصر التي يتكون منها، فلقد قيل عن اليهود أنهم كانوا لا يعرفون الإنسان إلا جسماً عضوياً، ولا يقرون إنه جسم وروح، فقد قال رينان في سبب الحقد الذي تغلغل في النفس اليهودية:"لو كان الشعب الإسرائيلي يعرف التعاليم اليونانية التي كان من مقتضاها اعتبار الإنسان عنصرين مستقلين: أحدهما الروح، والآخر الجسد، وإنه تعذبت الروح في هذه الحياة لأنها تستريح في الحياة الثانية، لسرى عنه شيء كثير من عذاب النفس، واضطراب الفكر، بسبب ذله وخضوعه، مع ما كان يراه في نفسه من الامتياز الأدبي والديني عن الشعوب التي كانت تذله".
يقرر رينان في هذا أن اليهود ما كانوا يقولون كاليونان أن الإنسان جسم وروح، ولقد يؤيد هذا ما جاء في التوراة التي بأيديهم في تفسير النفس بأنها دم، فقد جاء فيها:"لا تأكلوا دم جسم ما، لأن نفس كل جسد هي دمه"، إذن لم يكن اليهود يعرفون الروح على إنها شيء غير الجسم. فلما جاء عيسى من غير أب. وكان إيجاده بروح من خلق الله، كما قال تعالى {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} كان ذلك الإيجاد الذي لم يكن العامل فيه سوى ملك من الأرواح نفخ في جيب مريم، فكان الإنسان من غير بذرة الإنسان وجرثومته. كان ذلك إعلاناً لعالم الروح بين قوم أنكروها، ولم يعرفوها، فكان هذا قارعة قرعت حسهم ليدركوا الروح، وكان آية معلمة لمن لم يعرف الإنسان إلا إنه جسم لا روح فيه، وهذه آية الله في عيسى وأمه عليهما السلام.
[بعثة عيسى عليه السلام ومعجزاته:]
١٠- بعث عيسى عليه السلام، ولم يرد في القرآن الكريم، ولا في الآثار الصحاح بيان السن التي بعث عند بلوغها عليه السلام. ولكن ورد في بعض الآثار إنه بعث في سن الثلاثين، وهي السن التي تذكر الأناجيل