بالروح القدس، فيكون ذلك المصدر قد فقد صلاحيته للاعتماد عليه، لأنه لم يكن متصل السند بين لوقا والتلاميذ والمسيح، ولأن لوقا لم يكن ملهماً. وهذا كله على فرض صحة نسبة ما أسند إلى لوقا، وفي تلك الصحة كلام سنثبته في موضعه من بحثنا إن شاء الله.
ليس عندنا إذن دليل نقلي عندهم يثبت رسالة من يسمونهم رسلاً، ويثبت معهم إنهم كتبوا بالإلهام، حتى يعتبر كلامهم وحياً أوحى به، ويجب تصديقه وقبوله، ولا نجد من الكتب ما يؤيد هذه الدعوى ويثبتها، بل إن راجعنا هذه الكتابات لا نجد أن كتابها يدعون لأنفسهم إنهم رسل، ولا من تلاميذه العشرين والمائة، ولا من السبعين الذين ذكرهم لوقا.
وقد رأينا بطرس في رسالتيه يقدمهما بأنه رسول يسوع المسيح، ولم يذكر لنفسه وصف الرسالة المطلقة من الله. ولا نجد في عباراتهم ما يدل على إنهم كتبوا ما كتبوا بالإلهام، إلا رسائل بولس، فهو الذي يذكر في رسالته أنه يتكلم عن الله، وأحياناً يقول إنه يتكلم من نفسه.
وإذن قلنا أن نقول أن أصحاب هذه الكتب والرسائل لا يدعون لأنفسهم الرسالة والإلهام إلا بولس الذي كانت صلته بالمسيحية على ما علمتم، وليس في كتبها ما يشهد له بالرسالة والإلهام، بله الإيمان إلا سفر الأعمال، وقد علمت قوة الاستدلال به، والاعتماد عليه في الاحتجاج والإثبات.
[دعوى الإلهام ليست محل إجماع المسيحيين:]
٥٧- وفي الحق أن دعوى إلهام الرسل في كل ما كتبوا لم تكن محل إجماع من كتاب المسيحيين في القديم والحديث، فطائفة من علماء إنجلترا قالوا في مؤلف كتبوه إن الذين قالوا أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة، ثم قالوا:"إن سألنا أحد على سبيل التحقيق أي جزء تعتبرون من العهد الجديد إلهامياً، قلنا المسائل، والأحكام، والأخبار بالحوادث الآتية التي هي أصل الملة المسيحية - لا ينفك الإلهام عنها. وأما الحالات الأخرى فكان حفظ الحواريين كافياً لبيانها".