ولم يكن البلاء مقصوراً على مصر، بل كان يتتبع المسيحيين في الدولة الرومانية حيثما ثقفوا، وأينما كانوا.
ولي بعد ديسيوس من أوقع البلاء وأنزله بالمسيحيين، ولكن كان أشد هؤلاء وأبلغهم أذى وأنكأهم بطشاً - دقلديانوس الذي جاء إليهم، بعد أن خف العذاب عنهم قليلاً، وقد رجوا فيه خيراً، وأملوا منه أن يكون عوناً، لأن مدير خاصته مسيحي، ولكنه كان أشد من غيره على المسيحيين، وخصوصاً المصريين، وذلك لأن المصريين رأوا أمماً تحللت من حكم الرومان، وذكوا أغلاله، فاقتدوا بهم، ونزعوا إلى السير في طريق الحرية والاستقلال، وساروا فيه، وعقدوا الإمرة لواحد منهم، فجاء دقلديانوس إلى مصر، وأنزل بها البلاء، وأزال استقلالها، وأعاد فتحها، وكانت كثرتها في ذلك الإبان مسيحية، وقد أمر بهدم الكنائس، وإحراق الكتب، وأصدر أمراً بالقبض على الأساقفة والرعاة، وزجهم في غيابات السجن، وقهر المسيحيين وجملهم على إنكار دينهم، وقد استشهد في هذا الوقت عدد كبير من الأقباط تجاوزت عدتهم أربعين ومائة ألف، وعدهم بعض المؤرخين ثلاثمائة ألف، ولكثرة ما استشهد من شهداء وما نزل من بلاء كانت ولاية دقلديانوس حادثاً ذا خطر في شأن مصر فجعلوه مبدأ تقويمهم، وذلك في سنة ٢٨٤ ميلادية.
وقد استمر البلاء ينزل من قياصرة الروم حتى جاء عهد قسطنطين. يمنا وبركة على المسيحيين، لا على المسيحية كما سنبين.
[أثر الاضطهادات في الديانة:]
٢٠- هذه هي الاضطهادات التي قارنت المسيحية في نشأتها وفي تكوينها وليداً وفي تدرجها، وفي عصر تدوينها ورواية كتبها، وهي مع أسباب أخرى جعلت بعض العلماء يبحثون عن قيمة هذه الكتب، وجعلت بعض علماء المسيحيين أنفسهم يعتذرون عن بعض الاضطراب في الأناجيل بأنها دونت في عصور اضطهاد المسيحية الأولى، بل أن مناظريهم يقررون بأن تلك الاضطهادات كانت سبباً في عقد سندها المتصل بصاحب الشريعة. يقول الشيخ - رحمه الله - الهندي في كتابه إظهار الحق: "طلبنا مراراً من علمائهم التحول إلى السند المتصل فما قدروا عليه، وأعتذر بعض القسيسين