ولكنهم كانوا يثبتون بأن جريمتهم في إنهم اجتمعوا في بعض الأيام قبل طلوع الشمس على عبادة المسيح على إنه رب، وعلى إنشاد الأناشيد إكراماً له، وتعاهدوا بينهم لا على ارتكاب جرم، بل على ألا يسرقوا، ولا يقتلوا، ولا يزنوا، وأن يوفوا بعهدهم، ورأيت من الضروري لمعرفة الحقيقة أن أ'ذب امرأتين ذكروا إنهما خادمتا الكنيسة، بيد إني لم أقف على شيء سوى خرافة سخيفة مبالغ فيها".
وهذا الكتاب كاشف كل الكشف عما كان يحدث للنصارى في عهد ذلك القيصر من اضطهاد وتعذيب، وتنقيب عن القلب وخبيئة النفس.
ولم ينقطع الاضطهاد بعد موت تراجان، بل استمر، وإن أخذت الرأفة بعض القياصرة، خلف من بعده خلف ينزلون عذاباً مرا يزيل أثر كل رحمة سابقة كانت نسبية حتى جاء ديسيوس فأنزل بهم من البلاء ما تقشعر من هوله الأبدان، ولنترك القلم لبطريرك الإسكندرية، يصف بعض ما عاين من ديسيوس بعد أن ذاق بعض الرحمة من سابقه، فهو يقول: "لم نكد نتنفس الصعداء، حتى حلق بنا الخوف، وحفنا الخطر، عندما بدل ذلك الملك الذي كان أرق جانباً، وأقل شراً من غيره، وجاء مكانه ملك آخر، ربما لا يجلس على كرسي المملكة حتى يوجه أنظاره نحونا فيعمل على اضطهادنا. وقد تحقق حدسنا، عندما أصدر أمراً شديد الوملاة، فعم الخوف الجميع، وفر بعضهم وقد أبعد كل مسيحي من خدمة الدولة، مهما يكن ذكاؤه، وكل مسيحي يرشد عنه يؤتى به على عجل ويقدم إلى هيكل الأوثان، ويطلب منه تقديم ذبيحة للصنم، وعقاب من يرفض تقديم الذبيحة أن يكون هو الذبيحة, بعد أن يجتهدوا في حمله بالترهيب.... ومن ضعاف الإيمان من أنكر مسيحيته, واقتدى به البعض، ومنهم تمسك بأذيال الفرار، أو من زج به في غيابات السجون".
وهكذا يقص ذلك القسيس ما نزل بهم مما انتهى به الأمر إلى فراره هو، وقد كتب يعتذر عن ذلك إلى بعض من أبلوا بلاء حسناً، ولم يلوذوا بالفرار.