كل مسيحي، مهما تكن مكانته، يستوي في ذلك الأمير والخفير، والراعي والرعية، فليس لأي ملك سلطان على الباب، والبابا له سلطان على كل ملك، لأنه مسيحي، وله السلطان الكامل على كل المسيحيين، ولأن البابا خليفة لبطرس الرسول وبطرس الرسول أقامه المسيح رئيساً على الحواريين من بعده، فالبابا على هذا الأساس خليفة للمسيح ينطق باسمه، ويتكلم بخلافته، وينفذ بسلطانه، ومن خرج عن طاعته فقد خرج عن طاعة المسيح، وحارب دينه.
[قرارات الحرمان تنال الملوك:]
وبهذا المنطق فرضوا أوامرهم على الملوك، كما فرضوها على سائر الناس، ولذا لم ينج بعض الملوك من قرارات المجامع بحرمانهم، وطردهم من حظيرة المسيحية، ولعنهم، فقد جاء في كتاب سوسنة سليمان:"المجمع الثالث عشر انعقد في ليون من أعمال فرنسا سنة ١٢٤٥ بأمر البابا اينوسنت الرابع لأجل عزل فردريك ملك فرنسا وحرمانه، وهذا المجمع لم تسلم كنيسة فرنسا حتى الآن بصحته أو بسلطانه مطلقاً".
لم ينج إذن الملوك من قرارات الحرمان والطرد، وإن لذلك أثره في نفوس شعوبهم، كما إنه يحفز الملوك على العمل من جانبهم على حماية أنفسهم، وهم في ذلك لا يتمنعون عن أن يثيروا القالة في رجال الكهنوت، ويكبروا صفائرهم، ويروجوا عنهم ما يحط من قداستهم، حتى ينفردوا بالاحترام، ولا يكون سلطان لأحد غيرهم.
١١٢- هذه هي الكنيسة في معاملتها للناس، عنف وزجر وقسوة، لا إرشاد وهداية وإصلاح، وهي تضرب كل من يعترض طريقها. لا تفرق بين سائس ومسوس، وحاكم ومحكوم، وراع ورعية.
وقد احتكمت لهذا بذوي السلطان، فكان لابد من مغالبة بينهما. ولم يكن الأمر مقصوراً على الأذى البدني تنزله بمن يخالفها، ولو فيما ليس بينه وبين الدين نسب، ولا يتصل به بسبب. بل تجاوز ذلك إلى إرهاق المسيحيين باتاوات ماليه يفرضونها، وضرائب كبيرة يأخذونها، وعلى ذلك صار المسيحيون قاطبة يئنون تحت نير ثقيل، سواء في ذلك من خالف ومن وافق، فالمخالف بالعذاب يهرأ به جسمه، والموافق بالمال ينقل به، وتفرض عليه ضرائب لأسباب غير معقولة وغير مقبولة أحياناً وما يجمع