١٢٣ - في الوقت الذي كان فيه هذان الرجلان يعملان ويجاهدان كل بطريقته، فلوثر بطريقته السلمية التي خالطها العنف، وزنجلي بطريقة الصراع والمنازلة، حتى مات فيه.
في هذا الوقت كان رجل آخر ظهر في فرنسا وهو كلفن (١٥٠٩ - ١٥٦٤) قد ولد بفرنسا، ونشأ بها، وتثقف ثقافة قانونية، ولكنه مال بعد تخرجه في القانون إلى الدراسات الدينية، وقد كانت حركة لوفر قد ذاعت وشاعت في ربوع أوربا، وما أن أعلن كلفن آراءه حتى أضطر إلى الفرار بعقيدته إلى جنيف في سويسرا، وهناك ألف وكتب، وأخذ يعمل على نشر مبادئ المذهب البروتستنتي، وينظمها بعد موت لوثر، فتنظيمها على الشكل الأخير يرجع إلى كلفن أكثر مما يرجع إلى أي رجل آخر، وإن كان باذر البذرة سواه، بل إن بذور ذلك المذهب قد كانت أقدم تاريخيا من لوثر نفسه، وقد نوهنا إلى بعض هذا الكلام في المجامع.
ويرى كلفن أن الكنيسة يجب أن تحكم نفسها بنفسها، وعلى الحاكم المدني مساعدتها ومعاونتها وحمايتها، وذلك ليكون السلطان الديني غير خاضع لحكم الحكام، وهو يرى أن المسيح لا يحضر لا بشخصه ولا بروحه في العشاء الرباني، ويعتبر تناول العناصر المادية رمزا للإيمان, ويقول كما يقرر صاحب كتاب الأصول والفروع في العشاء الرباني:"يشير العشاء الرباني أيضا إلى مجيء المسيح، كما يشير إلى موته، فيكون تذكارا للماضي والمستقبل، فالعبرة في العشاء الرباني للذكرى، لا حضور المسيح مادياً أو روحياً".
[إنشاء كنائس للمصلحين:]
١٢٤ - كانت جهود هؤلاء القادة وأتباعهم، وعيوب الكنيسة، وسوء حالها وحال القوامين عليها، وشدة ضغطهم سبباً في ذيوع الآزاء التي تخالف رأي الكنيسة، وقد ابتدأت الحركة بطلب إصلاح الكنيسة على أن يقوم بالإصلاح رجال الكنيسة أنفسهم ولكنهم أنقضوا رءوسهم، وأصروا واستكبروا استكباراً، ورفضوا كل دعوى للإصلاح، وقابلوا أصحابها بقرارات الحرمان أحياناً كثيرة، والإهمال أحياناً قليلة.