من أموال الفقراء والمحدودين التي حصلوا عليها بالكد واللغوب يتوزعه رجال الدين بينهم، وينفقونه إسرافاً وبداراً في سبيل تحقيق رغباتهم، وبذلك كانوا يجمعون المال من غير حله، وينفقونه في غير حله أيضاً، وبذلك انغمسوا في شر ما في هذه الدنيا، وتركوا لب الدين.
[استبداد الكنيسة بفهم الكتب المقدسة:]
١١٣- ولقد احتجزت الكنيسة لنفسها الحق في فهم الكتب المقدسة عندهم، واستبدت بتفسيرها دون سائر الناس، ولا معقب لما تقول في هذا التفسير، أو في رأي تبديه، أو أمر تعلنه، وعلى الناس أن يتلقوا قولها بالقبول وافق العقل أو خالفه، وعلى المسيحي إذا لم يستسغ عقله قولاً قالته أو مبدأ دينياً أعلنته أن يروض عقله على قبوله، فإن لم يستطع، فعليه أن يشك في العقل، ولا يشك في قول البابا. لأن البابا خليفة لسلسلة الخلافة التي بيناها.
ولقد كانت تعلن أموراً ما جاء بها الكتاب المقدس عندهم، وما تعرض له المسيحيون الأولون، لا المجامع الأولى، وهي أمور غريبة جد الغرابة، بعيدة عن القبول في أحكام العقل جد البعد، وتلزم المسيحيين بها، وتفرضها عليهم فرضاً، ومن قال كلمة فيها فالويل له، ينزلونه به في الدنيا ولا ينتظرون حساب الديان في الآخرة.
ونذكر القارئ على سبيل المثال مسألتين كان لهما أثر في الفكر المسيحي، وبسببهما هما وغيرهما تقدم المصلحون في جرأة، داعين إلى إصلاح الكنيسة بالحسنى أو بغير الحسنى، هاتان المسألتان هما مسألة الاستحالة، ومسألة الغفران.
[مسألتا الاستحالة والغفران:]
١١٤- أما مسألة الاستحالة فالأساس فيها ما علمت في شرح الشعائر النصرانية، من أن المسيحيين يأكلون يوم الفصح خبزاً ويشربون خمراً، ويسمون ذلك العشاء الرباني، ولقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح، وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك فمن أكلها وقد استحالا هذه الاستحالة فقد أدخل المسيح في جسده بلحمه ودمه، وذلك أمر غريب في العقل، لا يستطيع أن يستسيغه أحد