١- عسير على المرء أن يكتب في رأي يخالف رأيه، ويتحرى مع هذه المخالفة أن يصور الرأي، كما يجول بخاطر صاحبه، وينبعث في نفسه، فيبين دوافعه وغاياته، وإذا كان ذلك واضحاً في رأي مخالف برئاي، فكيف تكون الحال إذا كانت المخالفة في عقدية تعتنق، وتتغلغل في أعماق النفس، وتستكن في اطوائها!! إن الطريق حينئذ يكون أو عث، ومسالكه أضيق، لذلك كان الطريق غير معبد أمام الباحث الذي يريد أن يكتب في النصرانية كمنا يعتقد النصارى، ويصورها أمام القارئ كما تجول بخاطر معتنقيها، ويفرض من نفسه ناظراً غير متحيز، يبين العقيدة، كما عي في نفس أصحابها، لا كما ينبغي أن تكون، أو كما يعتقد هو، لأن الباحث خلع نفسه مما تعتنق وتؤمن به. ويجردها تجرداً تاماً مما قد صار منها بمنزلة الملكات، وخالط الإحساس والمشاعر، واستولى على كل مسالك الآراء إليها، وتصوير المسيحية كما يعتقد أصحابها ليس فقط عسيراً على الكاتب غير المسحي، بل إنه عسير على الكتاب المسيحيين أنفسهم، يستوي في ذلك المختصون بالدراسات الدينية وغير المختصين، ولذلك يستعينون في تصويرها، وإدنائها إلى العقول بضرب الأمثال. والتشبيهات الكثيرة، لتأنيس غريبها بالقريب المألوف، والمشاهد المحسوس ولإدخالها في العقل من الباب الذي يألفه ويعرفه، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
٢- ولكن البحث العلمي يتقاضى الباحث الحر المنصف أن يدرس المسيحية إن أراد أن يعلنها كما يعتقد أهلها مجرداً من نزعاته السابقة على الدراسة، غير جاهل لعقيدته سلطاناً على حكمه، حتى لا تسيره في دراسته، وتتحكم في اتجاهاته، لأن ذلك قد يدفعه لأن يتزيد على القوم، والتزيد ليس من شيمة العلماء، أو يدفعه لأن يتناول كلامهم بغير ما يريدون، وذلك لا يجعل العقل يدرك الأمور كما هي في ذاتها، بل يدركها كما انعكست في نفسه، وكما رسمت على قلبه، وقد يباعد ذلك الأمر في ذاته.