فهل هو صادق في النقل عن المسيح، والأخبار عنه؟ للإجابة عن هذا السؤال موضعها عند الكلام في الإلهام الذي نحلوه لرسلهم، ونقد الكتب نقداً علمياً.
[كتب العهد القديم والأناجيل والرسائل كتبت بإلهام في اعتقادهم:]
٥١- إلى هنا قد بينا الكتب، وذكرنا طرنا من حياة منشئيها، وأحوالهم ومقدار الاختلاف في نسبة الكتب إلى أصحابها، وقبل أن ننتقل إلى نقد هذه الكتب نقداً علمياً في متنها وإسنادها، نقول: إن المسحيين يقولون إن هذه الكتب كلها، كتبت بالإلهام أي بالوحي عن طريق الإلهام، وإنها لذلك لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلقها، فهي حق وصدق، لأنه موحي بها، وسواء ذي ذلك كتب العهد القديم، والعهد الجديد، سواء أكانت أناجيل أم رسائله تعليمية أم رسالة النبوة.
ولذا يقول مؤلفو موجز تاريخ الأمة القبطية في شأن الكتاب المقدس:"الكتاب المقدس هو مجموع الأسفار التي كتبها رجال الله القديسيون بإلهام الروح القدس في أوقات مختلفة، وفيها أعلن الله مشيئته ووصاياه، وما قطعه من المواعيد، وما فرضه من المثوبة، وما فيه إرشاد للناس وخيرهم وخلاصهم وما أتمه من عمل الفداء" وبمراجعة ما كتبه شراحهم وعلماؤهم نفهم أن الإلهام عندهم، هو إلهام في المضمون الرئيسي، ولذا يقول هورن:"إذا قيل أن الكتب المقدسة أوحى بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من إلهام الله، بل يعلم من اختلاف محاورات المصنفين واختلاف بيانهم إنهم قد جوز لهم أن يكتبوا، على حسب طباعهم وعاداتهم وفهومهم واستعمل علم الإلهام على طريقة استعمال العلوم الرسمية، ولا يتخيل إنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه، وفي كل حكم كانوا يحكمون به".
إذن لم تكن كل الكتب المقدسة ملهمة من حيث أسلوب البيان، ومن حيث التصرف في التعبير، ومن حيث كل ما تشتمل عليه من معان بل موضع الإلهام فقط المعاني الرئيسية أو الرسمية، وبقية الأفكار والمعاني على حسب الطبائع والإفهام والعادات.