باليونانية، ثم يرجح إنه لف باليونانية مخالفاً بذلك إجماع مؤرخيهم. ثم يقول بالنسبة لتاريخ تدوينه:"ولا بد أن يكون هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أروشليم" ويظن البعض طأن الإنجيل الحالي كتب ما بيم سنة ٦٠ وسنة ٦٥". والحق أن باب الاختلاف في شأن التاريخ لا يمكن سده، ولا يمكن ترجيح رواية، ولا جعل تاريخ أولى من تاريخ بالإتباع، وذلك يقول هورن: "ألف الإنجيل الأول سنة ٣٧ أو سنة ٣٨ أو سنة ٤١ أو سنة ٤٣ أو سنة ٤٨ أو سنة ٦١ أو سنة ٦٢ أو سنة ٦٣ أو سنة ٦٤ من الميلاد". ونقول نحن: "يجوز غير ذلك، والجمهور على إنه كتب بغير اليونانية، ولكن لم يعرف غيرها، ولم يعرف جمهرة المؤرخين من يكون المترجم، وفي أي عصر ترجم، وقد علمت أن ابن البطريق يذكر أن يوحنا هو الذي ترجمه إلى اليونانية، ولكن لا نجد أحدا من المؤرخين أيده، بل أن الكثيرين منهم يقولون:"إنه لم يعرف المترجم".
[أثر جهل تاريخ التدوين والمترجم:]
٢٩- لا شك أن جهل تاريخ التدوين، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية، وجهل المترجم وحاله من صلاح أو غيره، وعلم بالدين واللغتين التي ترجم عنها والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي، ولئن تسامح الباحث في تاريخ التدوين، وتاريخ الترجمة وملابساتها، ليمنعنه المسلم من الاسترسال في التسامح، حتى لا يرى أن السلسلة تكون كاملة إذا لم يعرف الأصل الذي ترجم، فلقد وددنا أن نعرف ذلك الأصل، لنعرف أكانت الترجمة طبق الأصل، أم فيها انحراف، ولنعرف أفهم المترجم مرامي العبارات ومعانيها، سواء أكانت هذه المعاني تفهم بظاهر القول أو بإشاراته، أم بلحن القول وتلويحاته، أم بروح المؤلف وغرضه، ومرماه الكلي من الكلام، ولكن عز علينا العلم بالأصل، ولقد كنا نتعزى عن ذلك لو عرفنا المترجم، وإنه ثبت ثقة أمين في النقل، عالم لا يتزيد على العلماء، ففيه في المسيحية حجة فيها، عارف للغتين فاهم لهما، مجيد في التعبير بهما، فعندئذ كنا نقول: ثقة روي عن ثقة بترجمته، ونسدد الخلة بتلك الرواية، ونرأب الثلمة بتلك النظرة، ولكن قد امتنع هذا أيضاً، فقال جمهرة علمائهم: أن المترجم لم يعرف، فبقيت الثلمة من غير ما يرأبها.