٩٧- من البيان الذي سقناه في المجامع، وما انعقدت بسببه من خلافات يظهر لنا أن المسيحية قد أتى عليها حين من الزمن كان التوحيد هو السائد بين معتنقيها، والغائب على كل نحلة سواه من نحلها. وإنك لترى ذلك واضحاً فيما بيناه من أن أريوس عندما ظهر مقاوماً فكرة أُلوهية المسيح، ومنازعاً كنيسة الإسكندرية في ذلك المبدأ الذي كانت تبثه في النفوس وهو أُلوهية المسيح وتنادى به على رؤوس الأشهاد، بينما كان أتباعه في مصر وفلسطين والقسطنطينية، (وهذه مواطن المسيحية في ذلك الإبان) أكثر عدداً وأقوى مكانة، فكثير منهم أساقفة ورؤساء كنائس، وكل ذلك مع أن قسطنطين الإمبراطور الحاكم بأمره الذي لا معقب لحكمه كان يشايع فكرة أُلوهية المسيح ويناصرها، ويحميها ويؤيدها، كما بينا عند الكلام في مجمع نيقية إذ حمى القائلين أن المسيح فيه أُلوهية بحمايته، ووضعهم تحت ظله، وأمدهم بالجاه والسلطان.
وإذا كان قد أتى حين كان فيه التوحيد هو السائد، فيصح لنا أن نقسم عصور المسيحية إلى قسمين:
عصر التوحيد: ونجعل نهايته الزمن الذي انعقد فيه مجمع نيقية. أو ما ولي ذلك الزمن بقليل. إذ غالب التوحيد فكرة أُلوهية المسيح ردحاً غير قصير من الزمن بعد مجمع نيقية.
والعصر الثاني: عصر تأليه المسيح، وذلك العصر يبتدئ بعد مجمع نيقية، وبعد أن استطاع أباطرة الرومان أن يطمسوا نور التوحيد في وسط المسيحيين، ويمنعوا الموحدين من نشر دعاياتهم.
وإذن فمن الحق علينا أن نراعي هذا التقسيم عند الكلام في الفرق القديمة عند المسيحية، فنقسم تلك الفرق إلى قسمين:
فرق ظهرت في عصر التوحيد، وربما كان وجود بعضها قبل مجمع نيقية إرهاصاً لعهد التثليث.