هذا ما يقوله الكتاب المدافعون عن الكنيسة، ومهما يكن قولهم في براءتها من ثم أولئك الذين حاولوا من رجال الدين إصلاحاً، فمما لا شك فيه أنها لم تصغ إلى أقوالهم، بل عاقبتهم عليها بالحرمان، فسلبتهم المنصب الديني، ثم عاونت بذلك على قتلهم أفظع قتلة، إن لم تكن هي الفاعلة.
[ابتداء الإصلاح من غير رجال الدين:]
١١٨- كانت ارهاصات الإصلاح تبدو الوقت بعد الآخر، ويظهر به رجال استعدوا للفداء زمناً بعد زمن، وكانت البلاد التي تظهر فيها آراء الإصلاح في شمال أوربا وإنجلترا، وفرنسا، لأن فرنسا قد ذاق بعض ملوكها أذى الحرمان من الكنيسة، وأحس الفرنسيون بشدتها، وإنجلترا رأت من سلطان البابا عليها تدخلاً في شئونها، ولأن أمم شمال أوربا قد اقترنت حضارتها بالدين فكانت شديدة الغيرة عليه، قوية الرغبة في فهمه على وجهه، جاعلين قبلتهم الكنيسة ورجالها، فعثروا بما أوتوا من رغبة دينية وعقل فاحص على عيوبهم، فأرادوا أن يصلحوها من غير أن يهدموها، لذلك ظهرت حركات الإصلاح ووجدت آذاناً مصغية في تلك البقاع، ولم ينبثق فجر القرن السادس عشر حتى انبثقت معه أصوات قوية جريئة تدعو إلى إصلاح الكنيسة، وتنقد حالها وتندد بأعمالها، وتنشر عيوب القوامين عليها، وعساهم يصلحون أمرهم، ويعودون إلى آداب الدين وتهذيبه.
الدعوة الهادئة:
وقد ظهر في فجر القرن السادس في أزمان متقاربة أصوات رجال مصلحين، ومن أشدها ظهوراً صوت أرزم، وقد ظهر بالأراضي المنخفضة، وعاش من سنة ١٤٦٥ إلى سنة ١٥٣٦. وقد أخذ يدعو الناس إلى قراءة الكتاب المقدس عندهم، وإلى تهذيب عقولهم، وتنمية مداركهم، ليستطيعوا فهمه، والانتفاع به، وإدراك مراميه وغاياته، وأخذ يدعو إلى إصلاح الكنيسة، وظهر إنه لم يوجه دعوته إلى الشعب، بل وجهها إلى الحكام المستنيرين، وإلى رجال الكنيسة أنفسهم، فقدان البابا ليو العاشر صديقه، وكان ممن يقدرون آراءه، ويعجبون بتفكيره ويوافقون بالأولى على وجهة نظره، وقد سار في طريق الإصلاح السلمي مجتهداً الاجتهاد