أي دليل عقلي، بل كل اعتمادهم على ما عندهم من نقل يحملونه من أثقال المعاني ما تنوء به العبارات، ولا تحتمله أبعد الإشارات، وإنهم إذا حاولوا أن يربطوا قضية التثليث بالعقل حاولوا جهد الطاقة أن يجعلوا العقل يستسيغها في تصوره، ويحسون أن العقل لا يكاد يستسيغ ذلك التصور، وقد نقلنا لك من عباراتهم ما يفيد ذلك، فارجع إليه.
وإذا كانت محاولاتهم تصور القضية قد أجهدتهم، وكلفتهم ما لا يطيقون، فكيف يستطيعون أن يجعلوا من بدائه العقل ما يحمله على تصديق ما يدعون والاقتناع بما يقولون، لذلك لم يحاولوا أن يتجهوا إلى العقل لإثبات قضيتهم من بدهياته، فإن ذلك ليس في قدرة أحد، إذ ليس في قدرة أحد من البشر جميع النقيضين في قرن، والتوفيق بين الأضداد، وقضيتهم والبدهيات العقلية نقيضان لا يجتمعان.
ونرى أن اعتمادهم على النقل لا يغني من الحق شيئاً، لأن شروط الإنتاج في استدلالهم غير مستوفاة، إذ ترى أن تلك العبارات التي عثروا عليها في كتبهم لا تفيد على وجه القطع ما يريدون، بل قد تفيد بأبعد أنواع الاحتمالات، أو باحتمال قريب، ومن المعلوم في قواعد الاستدلال أن الاحتمال إذا دخل الاستدلال أبطله، وكل أدلتهم ينفذ الاحتمال إليها من كل جانب. هذا وان الاستدلال بكتبهم يفيد من يصدقها وهي ذاتها يعروها النقد العلمي في سندها، وفي متنها من كل ناحية، فهي في ذاتها في حاجة إلى دفاع طويل لإثباتها، وقد بينا ذلك كله في موضعه من بحثنا.
[صلب المسيح فداء عن الخليقة:]
٧١- ولنترك الآن الحديث في عقيدة التثليث، ولكن يجب قبل تركها مؤقتاً أن نشير إلى أن التثليث لم يرد دفعة واحدة على المسيحية، بل تورد عليها شيئاً فشيئاً، إلى أن أعلن نهائياً عند غالبتهم في نهاية القرن الرابع الميلادي، وسنبين ذلك كله فضل بيان في تاريخ المجامع المسيحية، وأساب انعقادها، وقراراتها، ومدها في موضعه من هذا البحث، ولنتكلم الآن في العنصر الثاني من عناصر العقيدة المسيحية، وهو صلب المسيح فداء عن الخليقة، وقد أشرنا إليه أجمالاً من قبل.
يقولون في هذا: أن الله من صفاته المحبة، حتى لقد جاء في الكتب