٣- قبل أن نخوض في المسيحية كما هي عند المسيحيين نتكلم في المسيحية التي جاء بها المسيح عليه السلام، وإنا إذا تصدينا للمسيحية التي جاء بها المسيح نجد التاريخ لا يسعفنا بها، إذ بعد العهد، واضطربت روايات التاريخ بالأحداث التي نزلت بالمسيحيين، ويجوز أن تكون قد عملت بد المحو والإثبات عملها، حتى اختلط الحابل بالنابل. وصار من العسير أن نميز الطيب من الخبيث، والحق من الباطل، والصحيح من غير الصحيح، وأننا معشر المسلمين لا نعرف مصدراً صحيحاً جديراً بالاعتماد والثقة من المسلم غير القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، فهما المصدران المعتمدان للمسلم في هذا، وما نكتب هذا لنلزم به المسيحيين، ولا على أنه هو المعتبر عندهم، ولكن نكتبه، ليتسق البحث، ولنتم السلسلة.
ينص القرآن الكريم على أن عقيدة المسيح هي التوحيد الكامل، التوحيد بكل شعبه، التوحيد في العبادة، فلا يعبد إلا الله، والتوحيد في التكون، فخالق السماء والأرض وما بينهما هو الله وحده لا شريك له، والتوحيد في الذات والصفات فليست ذاته بمركبة، وهي منزهة عن مشابهة الحوادث سبحانه وتعالى. فالقرآن الكريم يثبت أن عيسى ما دعا إلا إلى التوحيد الكامل، وهذا ما يقوله اللع تعالى عما يكون من عيسى يوم القيامة من مجاوبة بينه وبين ربه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .
فهذا نص يفيد بصريحة أن عيسى ما دعا إلا إلى التوحيد، فغير التوحيد إذن دخل النصرانية من بعده، وما كان عيسى إلا رسول لله رب العالمين.