٥٢- عرضنا على القارئ كلام القوم في كتبهم، وحاولنا أن نكون حاكين ولم نعلق عليها ولم ننقدها، ولم ننبه إلى وهنها، إلا إذا كان ذلك التنبيه قد نسبق إليه علماؤهم، والباحثون منهم، ووجهوا هم النقد إليه، أو كان الأمر من الوضوح بحيث يكون المرور عليه من غير تنبيه إلى موضع الضعف يجعل البحث غير منسق، وبعيداً عن الانسجام الفكري.
والآن نريد أن ننتقل من النظرة الحاكية المتغاضية إلى النظرة الفاحصة الكاشفة، ولسنا نريد أن نحصى كل أوجه النقد التي وجهت، فإن ذلك يحتاج بيانه إلى مجلدات ضخام لكثرتها، وتعدد نواحيها، وكثرة دواعيها، ولكنا نكتفي بإيراد بعضها، ونترك الباقي للإطلاع عليه في مصادرة المسيحية وغير المسيحية:
[ما يجب أن يكون في الكتاب الديني من صفات ليكون حجة:]
لأجل أن يكون الكتاب الديني حجة - يجب الأخذ به على إنه شريعة الله ودينه، ومجموع أوامره ونواهيه، ومصدر الاعتقاد، وأساس الملة - يجب أن يتوافر في هذا الكتاب أمور:
أحدها: أن يكون الرسول الذي نسب إليه قد علم صدقه بلا ريب ولا شك، وأن يكون قد دعم ذلك الصدق بمعجزة، أي بأمر خارق للعادة قد تحدى به المنكرين المكذبين، وأن يشتهر أمر ذلك التحدي وهذا الإعجاز، ويتوارثه الناس خلفاً عن سلف، ويتواتر بينهم تواتراًً لا يكون للإنسان مجال لتكذيبه.
ثانيها: إلا يكون ذلك الكتاب متناقضاً مضطرباً يهدم بعضه بعضاً فلا تتعارض تعليماته، ولا تتناقض أخباره، بل يكون كل جزء منه متمماً للآخر ومكملاً له، لأن ما يكون عن الله لا يختلف، ولا يفترق، ولا يتناقض، بل أن العقلاء، في أقوالهم، وفي كتبهم، يتحرون إلا يتناقض قولهم، ولا يختلف بتفكيرهم.
ثالثها: أن يدعى ذلك الرسول إنه أوحى إليه به، ويدعم ذلك الإدعاء