للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بوصف من أوصاف الحوادث. فليس بجوهر ولا عرض، وليس فكراً كفكرنا ... ولا إرادة كإرادتنا ولا وصف له، إلا أنه واجب الوجود، يتصف بكل كمال يليق به، يفيض على كل الأشياء بنعمة الوجود، ولا يحتاج هو إلى موجود، وأول شيء صدر عن هذا المنشئ في نظر أفلوطين هو العقل المصدر عنه كأنه يتولد منه، ولهذا العقل قوة الإنتاج، ولكن ليس مكن تولد عنه، ومن العقل تنبثق الروح التي هي وحدة الأرواح، وعن هذا الثالوث يصدر كل شيء ومنه يتولد كل شيء.

٢٣- هذه هي فلسفة المعاصرين لنشأة الديانة المسيحية عندما أريد تحويلها، وترى أن فلسفة الرومان ترمي إلى إيجاد ألفة بين الوثنية واليهودية ومسيحية المسيح عليه السلام، كما ترى أن فلسفة الإسكندرية ترجع العالم في تكوينه وتدبيره إلى ثلاثة عناصر أو إلى ثالوث مقدس هو المنشئ الأول، والعقل الذي تولد منه كما يتولد الولد من أبيه، والروح الذي يتصل بكل حي ومنه الحياة. فإذا عبرنا عن المنشئ الأول بالأب، وعن العقل المتولد عنه بالابن، وعن الروح بروح القدس، كما هو ثالوث النصارى الذي أخذ ببعضه مجمع نيقية، وبكله المجامع التي جاءت من بعده، لما خرجنا في التسمية عن الصواب، وما كان فيها أي تسامح، فذلك الثالوث في معناه هو ثالوث النصارى، وإذا لم يختلف المسمى، فلماذا يختلف الاسم؟.

وهنا يرد على النفس سؤال: أيهما أستقر، وأيهما كان الينبوع؟ هل أخذت الأفلاطونية الحديثة من النصرانية، أم النصرانية الحاضرة هي التي أخذت عن الفلسفة؟ إن الجواب عن هذا يقتضي تعرف السابق منهما، فالسابق بلا ريب أستاذ اللاحق، والزمن هو الذي يحكم ويفصل، وسنجد فيما يلي من البحث أن مجمع نيقية هو الذي سار في تقرير هذا الثالوث، ووضع الأساس لمن بعده، أو بعبارة أدق قرر ألوهية الابن، وأن جوهره هو جوهر الأب، وقد جاء في قراره "أن الجامعة المقدسة، والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجوداً فيه، وإنه لم يوجد قبل أن يولد، وإنه وجد من لا شيء، أو من يقول أن الابن وجد

<<  <   >  >>