وقد كان جعل سلطان الكتاب شاملاً لرجل الدين، ولرجل الشعب سبباً في أن حق التفسير والفهم لم يعد مقصوراً على رجال الدين، فأزيل ذلك الحجاب الذي أقيم بين المسيحي وبين كتابه. إذ أقامه رجال الدين ليحتجزوا حق تفسير الكتاب لأنفسهم. وبذلك يكون الدين ما تنطق به أفواههم وليس لأحد أن يعقب على قولهم، لأن باب التفسير قد أقفل دون غيرهم فلا يستطيعون إزالة رتاجه، ولا فتح إغلاقه، فألغى المذهب الجديد ذلك الحجاب وفتح باب التفسير لكل مثقف ذي فهم، وإذا كان ثمة نص لم يفهم توقفوا عن فهمه، فإن أبدى رجل الدين رأياً في فهمه قبلوه إلا إذا خالف نصاً ظاهراً لا مجال للتأويل فيه.
عدم الرياسة في الدين:
(ب) ليس لكنائسهم من يترأس عليها رياسة عامة، بل لكل كنيسة رياسة خاصة بها، والرياسة الكنسية التي تستمد الخلافة من أحد الحواريين أو من المسيح نفسه لا وجود لها عندهم، بل إن الكنيسة في كل مكان ليس لها إلا سلطان الوعظ والإرشاد، والقيام على تأدية الفروض والتكاليف الدينية وبيان الدين لمن لا يستطيع معرفته من تلقاء نفسه، ولم يكن عنده من الثقافة ما يمكنه من ذلك.
ليس لرجل الدين الغفران:
(جـ) وإذا كانت الكنيسة لها سلطان إلا البيان لمن لا يستطيع بياناً والإرشاد لمن لا يستطيع معرفة أوامر الدين من تلقاء نفسه، فليس لها سلطان في محو الذنب أو ستره. أو تلقى الاعتراف بالذنوب ومسحها سواء أكانت تلك هي المسحة الأخيرة عن الاحتضار. أم كانت قبل ذلك. فكل ذلك ليس لها فيه سلطان. لأنه من عمل الديان. وقد علمت أن صكوك الغفران وحق الكنيسة فيه كانت الثقاب الذي اندلعت منه الثورة على الكنيسة، وتبعها تقصى عيوبها، وتتبع نقائصها. وقد ذكرنا ببعض التفصيل ما كانت تفعله الكنيسة، وبينا أنها غالت فيما زعمته لنفسها في ذلك من حق، والأساس في رفض الكنيسة في هذا: كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.