النقد، وشكرت الناقد، وتغاضيت عن عبارات نالني بها، لأنها من فلتات القلم، ولقد أخذت أدرس ذلك النقد حرفاً حرفاً، لأصحح به خطأ جرى في الكتاب، أو سوء تفسير فسرناه، أو تخريجاً بعيداً عن المعنى خرجناه.
ولكني وجدت النقد خالياً من ذلك في جملته، بل هو مهاجمة لقصد الكتاب، يثير اعتبار الدين جنسا، ويدفعه التعصب الشديد، ويحاول توهين المكتوب، حتى أنه في سبيل ذلك يعتبر الكرم المقيد بوصف متناقضا، والمعلق على شرط متضاربا، لأن صدر الكلام غير الوصف، ومقدم القضية الشرطية غير تاليها، وإن كان في النقد ما يفيد أنه أثبت أن بعض أخواننا نألم من عبارات جاءت في كتابنا. فغيرناها إن لم يكن في التغيير ما يمس الجوهر، ويفسد المعنى.
وقد كنا بسبب التألم نحجم من إعادة طبع الكتاب، مع الإلحاف من الكثيرين وبعضهم من إخواننا المسيحيين، وأحجمنا عن ذلك نحو ست سنوات، ولكن اشتد الطلب من البلاد الشرقية والمصرية، وزكوا الطلب بأنه لا يليق أن تحول الاعتبارات النفسية دون ظهور ثمرات الفكر، وإن عند إخواننا من سعة الصدر ما يتسع لذلك. وخصوصاً أن الكتاب معروف في أمريكا وأوربا والهند، فقد ترجم إلى الإنجليزية. ولخصته بعض المجلات الأمريكية تلخيصاً كاملاً، وترجم إلى الفرنسية والأردية.
فماذا كانت هذه الأمم المسيحية تطوع بعض المسيحيين فيها بترجمته تسجيلاً للآثار العلمية. وإن خالفوها - فإنه من نقص الحرية الفكرية في مصر أن يضيق صدر بعض أبنائها حرجاً بإعادة طبع كتاب سجله المسيحيون في لغاتهم.
لهذا أقدمت على إعادة طبع الكتاب بعد طول الأحجام، راجياً من المولى جلت قدرته الهداية والتوفيق والسداد، إنه نعم المولى ونعم النصير.