ولكن زعم بعضهم أن أصله عربي، وهو زعم ليس له دليل، وعلى مدعى ذلك الأصل أن يبرزه، ويبين تاريخ تدوينه، ومقدار نسبته.
ولكن الدكتور سعادة يزعم أن أصله عربي بدليل إنه وجد على النسخة الإيطالية تعليقات عربية، وإنه صرح في التبشير باسم النبي، مع أن المعهود في البشارات الرمز لا النص.
ونحن نرد الأول بأن وجود تعليقات عربية يدل فتخذ على أن بعض من قرأ هذه النسخة يعرف العربية على ضعف فيها لأنه مستقيم التعبير أحياناً قليلة، وسقيم العبارة في أحيان كثيرة، ومن الغريب أن يتخذ من التعليقات العربية دلالة على أصله الإسلامي، ولا يتخذ من صلبه الإيطالي دليلاً على أصله المسيحي.
أما كون التبشير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - صريحاً فيه وليس بتلميح فنحن لا نسلم بأن كل التبشيرات في الكتب الدينية تلميح. نعم بعضها رمز وتلميح، ولكن معنى ذلك نفي الصريح، وعلى فرض أن كل تبشير تلميح لا تصريح، فالنص الإيطالي الذي بين أيدينا ترجمة لا نص، وعسى أن يكون المترجم فهم المعنى، فلم يسعفه في لغته التلميح، فنطق بالتصريح كما يفعل المسيحيون في كثير مما ترجموا من كتب أصلها عبري.
ومن المؤكد أن ذلك الإنجيل لم يكن معروفاً عند المسلمين في غابرهم وحاضرهم، لأن المناظرات بينهم وبين المسيحيين كانت قائمة في كل العصور، ولم يعرف أن أحداً أحتج على مناظرة المسيحي بهذا الإنجيل، مع إنه فيه الحجة الدامغة التي تفلح المسلم على المسيحي، فدعوى وجود نسخة عربية كانت هي الأصل للنسخة الإيطالية، فوق إنها لا دليل عليها مطلقاً، ولو بطريق الوهم هي تناقض أخبار التاريخ الإسلامي مناقضة تامة، وإلا أحتج المجادل عن الإسلام بها. ففيها أقوى دليل، والتاريخ لم يحفظ ذلك، وهذى سجلاته ليستنبطوها. وليعرفوا دخائلها، فلن يجدوا شيئاً يمكن دعواهم ويثبت قضيتهم.