للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد كانت مدة حكم السلطان النَّاصِر من أفضل عصور المماليك ازدهارًا، واستقرارًا، ورقيًا، ورخاءً (١)؛ وبعد وفاته تولّى الحكم ثمانية من أولاده في الفترة ما بين (٧٤١ - ٧٦٢ هـ)، وأربعة من أحفاده في الفترة ما بين (٧٦٢ - ٧٨٤ هـ)؛ عانت فيها الدولة الكثير من الضعف، والاضطراب، والفوضى، وعدم الاستقرار؛ أثر عليها سلبًا سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا (٢).

وتعرضت البلاد للكوارث الطبيعية كالزلازل، والفيضانات، والجراد، والمجاعات، والأوبئة؛ فقد بُليت البلاد بانتشار وباء خطير عُرِفَ بالوباء الأسود أو الطاعون سنة (٧٤٩ هـ)، تسبب في وفاة الكثير من الناس، فساءت الحياة الاجتماعية، والأحوال الاقتصادية حتى كادت أن تتوقف تمامًا؛ فقد تراجعت الزراعة، وأفلست التجارة، وغَلَت الأسعار، وفُرضت الضرائب وتفشّت البطالة، وانتشر البغاء بسبب الفقر رغم مُحاربة العلماء له بفتواهم وكتاباتهم (٣).

ولحسن الحظ لم تؤثر هذه الأحوال السيئة على الحياة العلمية في بلاد الشام ومصر بل ظلَّت مزدهرة؛ فنشطت الحركة العلمية بازدياد نشاط العلماء وكَثُرَ عددهم وتآليفهم، وأنشئت المكتبات العامة، وبُنيت المدارس الكثيرة، ودور القرآن والحديث، وأوْقِفَت عليها الأوقاف الخيرية، ورُصِدَت لها الأموال لأجل رعاية ومعيشة وسكنى طلابها، وعلمائها، وموظفيها؛ وذلك لأنَّ سلاطين المماليك كانوا يتقربون إلى الناس برفع منزلة العلماء، وتكريمهم بالوظائف الدينية المختلفة، وتقديم الجوائز لهم، ويعززون نفوذهم في الشعب ببناء المساجد والمدارس (٤).

وقد امتاز القرن الثامن الهجري، وخاصة عصر المماليك، بالعناية الشديدة


(١) مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك لعاشور (ص: ٢٣٣).
(٢) مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك لعاشور (ص: ٢٣٦).
(٣) مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك لعاشور (ص: ٢٣٦)، مقدمة كتاب البداية والنهاية لابن كثير (١/ ١٣).
(٤) ابن كثير الدمشقي للزحيلي (ص: ٢١، ٢٢، ٤٠) الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث لآل شلش (ص/٣٥)، مقدمة كتاب البداية والنهاية لابن كثير (١/ ١٤).

<<  <   >  >>