ثم إنِّي تأمّلت الكتاب -بعد ذلك- فوجدت ما فيه من التطويل والتدقيق, يصرف الأكثرين عن التأمل له والتحقيق, لا سيمّا والباعث لداعية النشاط إلى معرفة مثل هذا إنما هو وجود من يعارض أهل السنّة, ويورد على ضعفائهم الشّبه الدّقيقة, ومن عوفي من هذا ربما نفر عن مطالعة هذه الكتب نفرة الصّحيح عن شرب الأدوية النّافعة, وألم المكاوي الموجعة. فاختصرت منه هذا الكتاب, على أني لم أطنب في ((الأصل)) كلّ الإطناب لما قدّمت من العذر عن ذلك, وتوعّر تلك المسالك.
وقد اقتصرت في هذا ((المختصر)) على نصرة السّنن النّبويّة, والذّبّ عنها وعن أهلها من حملة الأخبار المصطفوية, سالكاً من ذلك في محجّة جليّة, غير عويصة ولا خفيّة, وتركت التعمّق في الدّقائق, والتقحّم في المضايق, رجاء أن ينتفع بهذا المختصر المبتدي والمنتهي, والأثري والنّظري, وسمّيته: ((الروض الباسم, في الذّبّ عن سنّة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - , وجعلنا من جيران حِماه المحرّم.
وهذا حين الشّروع في الجواب, والله الهادي إلى الصّواب:
قال: معرفة الأخبار مبنية على معرفة عدالة الرّواة [ومعرفة عدالتهم] (١) في هذا الزّمان مع كثرة الوسائط كالمعتذرة, ذكر هذا كثير من العلماء منهم: الغزالي, والرّازي. وإذا كان ذلك في زمانهم فهو في زماننا أصعب, وعلى طالبه أتعب, لازدياد الوسائط كثرة والعلوم دروساً وفترة. فإن قيل: نحن نقول بما قال الغزالي: إنّا نكتفي بتعديل
(١) في (أ): ((ومعرفتهم)) والمثبت من (ي) و (س).