العمل بالعموم مع ظنّ وجود الخاصّ, والعمل بالحديث الظّنّي مع ظنّ وجود ناسخه, والعمل بالقياس مع ظنّ وجود النّصّ, ولا شكّ أنّ أخبارهم توجب ظنّ وجود الخاصّ والنّاسخ والنّصّ المانعة من العمل بالعامّ والمنسوخ والقياس.
الحجّة الثّالثة: أنّ في ردّ حديثهم مضرّة مظنونة, ودفع المضرّة عن النّفس واجب./ وأمّا أنّ في ذلك مضرّة مظنونة فذلك معلوم؛ فإنّ أهل الصّدق والأمانة لو أخبرونا بأنّ الطّعام مسموم؛ لوجب علينا تجنّبه عند الأشعرية والمعتزلة عقلاً وشرعاً, وإذا كان هذا في مضارّ الدّنيا -مع حقارتها- فكيف إذا أخبرونا بأنّ فعل بعض الأمور يغضب الله جلّ جلاله, ويستحقّ به عقابه ونكاله.
الحجّة الرّابعة: أنّه يحصل بخبرهم الظّنّ, والعمل بالظنّ حسن عقلاً, أمّا عند المعتزلة فظاهر, وأمّا عند الأشعرية فلأنّ الفخر الرّازي ذكر في ((المحصول)) وغيره أنّهم لم يخالفوا في هذا القدر, وإنّما خالفوا في أنّ تارك ما أوجبه العقل يستحق الذّمّ عاجلاً والعقاب آجلاً.
وتقرير هذا الوجه: أنّ العقلاء اتّفقوا على حسن الخبر والاستخبار, واعتمدوا في المهمّات على إرسال الرّسول, وكتابة الكتّاب, وبعث النّذير إلى من يخاف عليه, والطّليعة إلى من يُخاف منه, وكلّ هذا لا يفيد إلا الظّنّ, وكذلك تصرّفاتهم فإنّ عامّتها مبنيّ على استحسان العمل بالظّنّ, فسفر التّاجر على ظنّ الرّبح, وزرع الزّارع على ظنّ التّمام, وغزو الملوك على ظنّ الظفر, وقراءة القرّاء على ظنّ حصول المعرفة, ولهذا فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث رسله إلى