ملك الموت لما رجع إلى موسى - عليه السلام - وخيّره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم, ويؤيد هذا أنّ الله تعالى لو أراد موته في المرة الأولى, وتسليط الملك عليه لنفذ مراد الله فيه, ولم يقدر على دفع ملك الموت, ولكن الله تعالى أراد الذي كان منه لحكمة بالغة, وليعلم من يثبت إيمانه, ومن يستحوذ عليه شيطانه, كما قال تعالى في تحويل القبلة:((وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه)) [البقرة/١٤٣] وبمثل هذه الأمور يميز الله الخبيث من الطّيب, والمؤمن من المتريّب, نسأل الله أن يثبّت قلوبنا على الإيمان, ويعصمنا من وساوس الشّيطان.
الوجه الثّاني: أن نقول: سلّمنا أنّ الملك /جاء إلى موسى -عليهما السلام- على صورة (١) يعرفه عليها, ولكن ما المانع أن يكون موسى فعل ذلك وقد تغيّر عقله, فإنّ تلك الحال مظنّة لتغيّر العقول, فقد خرّ موسى صعقاً لأجل اندكاك الطّور, فكيف بهول المطلع, فإنّه عند العلماء بجلال الله -سبحانه وتعالى- أعظم وأجلّ من اندكاك الجبل, وهذا الاحتمال ايضاً يمكن فيه حالان:
أحدهما: أن يكون الملك أتاه وقد تغيّر عقله من غمرات الألم, وسكرات النّزع.
وثانيهما: أن يكون جاءه وهو صحيح غير أليم, وإنّما تغيّر عقله حين أخبره بأزوف الرّحلة من دار العمل, وانقطاع المهلة والأمل, وذلك لأنّ أمل الأنبياء -عليهم السلام- عظيم في الترقّي في مراتب