للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الاستشهاد على أمر جليّ لمّا ادّعى الخصم أنّ في الحديث ما لم يمكن تأويله, وما يجب تكذيب راويه, وفيما ذكرت ما يردّ عليه على ما سيأتي تفصيله ... -إن شاء الله تعالى-.

المرتبة الثالثة في التّأويل: الحكم بالوهم لدليل يوجب ذلك, والوهم أنواع: فمنه الوهم في اللفظ وهو صحيح مأثور, ومنه حديث عائشة الثّابت في البخاري ومسلم (١) وغيرهما: وفيه عن ابن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- مرفوعاً: ((الميّت يعذّب في قبره بما نيح عليه)) وفيه: قالت عائشة: ((لا والله ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط إنّ الميّت يعذّب ببكاء أحد, ولكنّه قال: إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً, وإنّ الله لهو أضحك وأبكى, ولا تزر وازرة وزر أخرى, ولكنّ السّمع يخطىء)). هذا لفظ البخاري ومسلم, وفيما ذكرته شهادة لجواز ظنّ الوهم في الرّاوي عند من اعتمد (٢) القطع بأنّ الظّاهر لا يصحّ, وأنّه وقع مثل ذلك في زمن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ورضي الله عنهم, في حقّ أوثق الرّواة وأفضلهم وأروعهم ممّن يُعتقد تعظيمه وتفضيله, على أنّ المختار صحّة مثل ذلك على أصول الجميع.

أمّا أهل الحديث؛ فقد ذكر الذّهبي (٣) في ضمّة القبر أنّها مثل آلام الدّنيا تصيب المطيع والعاصي, وأمّا على أصول المعتزلة فلأنّ كلّ ألم صحّ فيه العِوَض والاعتبار فهو جائز, وكلاهما ممكن في


(١) ((الفتح)): (٣/ ١٨٠) , ومسلم برقم (٩٢٩).
(٢) في نسخة ((اعتقد)) كذا في هامش (أ) و (ي) , وهو كذلك في (س).
(٣) ((السير)): (١/ ٢٩٠).