للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك: أما العوض فلا إشكال, وأما الاعتبار فاعتبار من يعلم بذلك من المكلّفين, وفي المعتزلة من يجيز الإيلام لأجل العوض فقط, ولكن في الحديث إشارة إلى تعليل استحقاق العذاب بالبكاء, فلذلك تأوّله البخاري (١) والنّووي (٢) لمن أوصى أن يبكى عليه, ويكن الجواب بشيء (٣) آخر, وهو: أن البكاء جعل سبباً للعذاب لا مؤثراً في استحقاقه, كما تكون أسباب الآلام في الدّنيا /أموراً غير مأثّرة في الاستحقاق.

والحكمة في جعل البكاء سبباً للعذاب: ما في ذلك من الزّجر العظيم عن البكاء. وتسمية الآلام عذاباً كثير في اللّغة شائع, على أنّه قد تقدّم أنّ السّمع قد دلّ على استحقاق كلّ أحد لشيء من العذاب, فمن الجائز أن يكون عذاباً مستحقاً بذنب غير البكاء, وجعل البكاء سبباً على سبيل الزّجر عنه والله أعلم.

فهذه الوجوه كلّها دالّة على سعة وجوه الحكمة الرّبّانية, وعلى أنّه يجب على المسلم ألا يعجل برمي الرّواة الثّقات بالوهم في الحديث ما أمكنه, فإن قال بذلك قائل فلا حرج (٤) عليه, ففي عائشة -رضي الله عنها- أسوة حسنة.

ومن هذا القبيل حديث قيام السّاعة لمقدار مئة سنة, وهو في


(١) ((الصحيح)) مع ((الفتح)): (٣/ ١٨٠).
(٢) ((شرح مسلم)): (٦/ ٢٢٩).
(٣) في نسخة ((بوجه)) كذا في هامش (أ) و (ي) وهو كذلك في (س).
(٤) في (ي): ((فلا يُحرج)) , وفي (س): ((لم يخرج)).