للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خير من ثلاثة.

*وبعض الشّرّ أهون من بعض (١) *

النّظر الرّابع: ادّعى أنّ التّنقّل ما وقع في المذاهب ألبتة, وأنّ أحداً من المقلّدين ما علم أنّه كان شافعيّاً في مسألة حنفيّاً في أخرى.

وهذا الكلام يدلّ على أحد أمرين: إمّا على شدّة تغفيله, وأنّه لا يدري ما يقول وإمّا على كثرة جرأته وقلّة مبالاته, وذلك أنّه لا يعلم أنّ أحداً من المقلّدين ما عمل بغير مذهب إمامه قطّ إلا الله سبحانه وتعالى, لأنّ الإحاطة بأعمال المقلّدين متعذّرة مع انتشارهم في أقطار الإسلام شرقاً وغرباً وشاماً ويمناً, ومع وجود المتساهلين منهم وجود (٢) الفسّاق المصرّحين.

وليت شعري ما يقول هذا المعترض؟! هل يقطع بأن أحداً من المقلّدين ما زنى ولا سرق, ولا أربى ولا فسق؟ فهذا عناد عظيم, وبهتان مبين, أو يقرّ بذلك, فكيف قطع بأنّهم لا يفعلون -ولا أحد منهم- ما هو جائز عند كثير من علماء الإسلام؟ ومن أين علم عصمتهم عن هذا الذي لم يقل أحد من الأمّة: إنّ فاعله مستحلاًّ له يفسق ولا يعصي؟ والمعلوم خلاف ما ذكره من كثير من العامّة, بل من كثير من أهل التّمييز, بل قد قدّمنا كلام غير واحد من العلماء في وجوب ذلك


(١) شطر بيت لطرفة بن العبد البكري ((ديوانه)): (ص/١٨٠).
وهو:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض
(٢) سقط من (س).