الحقّ مطالع أنواره. وتحرير الجواب على ما ذكره يتمّ بذكر وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ قوله: ((إن المرجئة لا يرتدعون عن الكذب وغيره من المعاصي)) مباهتة عظيمة وإنكار للضّرورة, فإنّ كلامنا إنّما هو فيمن عرف منهم بالدّيانة والأمانة وأداء الواجبات وترك المحرّمات, والمعلوم بالضّرورة أنّ في المرجئة من هو من أهل العبادة والزّهادة, والعلم والإفادة, والمراتب الشّريفة والخصال الحميدة, والمحافظة على النّوافل على ما هو أشق من المفروضات, وأصعب من ترك المقبّحات؛ من إطعام الطعام, وسرد الصيام, والصّلاة والنّاس نيام, والبكاء العظيم من التقصير في حقّ الملك العلام. فقول المعترض: إنّهم لا يرتدعون عن الكذب وسائر المعاصي باطل بالضّرورة؛ لأنّه إمّا أن يدّعي أنّ فعل المعاصي يقع من عبّادهم وثقاتهم في الباطن قطعاً, وإن أظهروا الصّلاح فهذا من علم الغيب المحجوب عن الخلق, ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما علم هذا في حق من عاصره إلا بالوحي في بعضهم, والحكم بهذا حرام بإجماع المسلمين, فلا نطوّل في الكلام عليه.
وإمّا أن يدّعي أنّ فعل الطّاعة وترك المعصية غير واقع منهم ظاهراً لبطلان خوف العقوبة من الله تعالى؛ فذلك لا يصحّ لأمرين:
أحدهما: أنّه استدلّ على بطلان أمر معلوم بالضّرورة, وذلك لا يصحّ, وبيانه: أنّ فعلهم للطّاعة معلوم بالضّرورة, فالاستدلال على أنّهم لا يفعلون الطّاعة لا يصحّ.
وثانيهما: أن نقول: إمّا يسلم المعترض أنّ فعل الطّاعة وترك