المقدّمة الرّابعة: في الإشارة إلى القرائن الدّالّة على التّجوز في الكلام وهي ثلاث: عقلية وعرفية ولفظية.
مثال العقلية: قوله تعالى: ((وسئل القرية التي كنّا فيها والعير)) [يوسف/٨٢] فإنّ العقل يدرك أنّ سؤال القرية والعير لا يصح فيفهم أنّ المراد أهلهما.
ومثال العرفيّة: قول القائل: بنى السّلطان سور المدينة, فإنّ مباشرة السّلطان لنقل الحجارة والتّراب غير محال في العقل ولكنّه ممتنع في العادة والعرف, فيفهم من ذلك: أنّ السلطان أمر بذلك. وما يجري مجراه, ومنه قوله تعالى:((يا هامان ابن لي صرحاً)) [غافر/٣٦] أي مر من يبني, لأنّه لم يكن ممن يباشر مثل ذلك.
وأمّا اللّفظية: فمثل: أسد شاكي السّلاح, أو حسن الثّياب, أو نحو ذلك. ومنه قوله تعالى:((الله نور السماوات والأرض مثل نوره)) [النور/٣٥] فقوله: ((مثل نوره)) قرينة لفظية تدلّ على أنّه تعالى ليس بنور في ذاته, وإنّما هو خالق النّور, وأنّ معنى ((الله نور السماوات والأرض)) منوّرهما. وكذلك قوله تعالى:((يهدي الله لنوره من يشاء)) فإنّه قرينة لفظية /تدلّ على أنّ النّور المذكور في الآية نور الهدى والعلم لا نور الشّمس والقمر.
وكلّ مجاز لم يدلّ على المراد منه أحد هذه القرائن الثّلاث, لم يصحّ التّجوّز به في لغة العرب بإجماع علماء المعاني والبيان وأئمة هذ الشأن, فإذا عرفت ذلك فاعلم أنّ القرينة العقلية إنّما يصحّ الاستدلال