الله كما علم؟ ولا شك أنّه إذا ثبت أنّ تقدير وقوع خلاف معلوم الله تعالى محارة للعقول, مضلّة للأفهام, لم يصح أن يكون نقيضه كذلك, إذ يستحيل في الشّيء ونقيضه أن يكون وقوع كلّ واحد منهما غريباً في العقل بديعاً في النّظر, فثبت بهذا أنّه لا معنى لاستغراب موسى - عليه السلام - لوقوع ما كتبه الله تعالى على آدم وتعجّبه من ذلك, وثبت بذلك صحّة قول من أوتي جوامع الكلم ((فحجّ آدم موسى)) والله أعلم.
الاحتمال الثاني: أن يكون آدم - عليه السلام - فهم من موسى - عليه السلام - أنّه أراد إثارة أحزانه على فعل الذّنب, فقصد التّسلّي بالقدر؛ لأنّه قد خرج من دار التّكليف، ولم يبق عليه (١) أن يندم, وهذا وجه لا غبار عليه, أمّا على أصول السّنّة؛ فظاهر, وأمّا على أصول المعتزلة؛ فإنّ تألّم آدم - عليه السلام - في تلك الحال ممكن بشرط العوض من الله تعالى والاعتبار وهما حاصلان, أمّا العوض: فظاهر, وأمّا الاعتبار: فلأنّه يمكن أن يعتبر بذلك أحد من الملائكة -عليهم السلام- أو يعتبر به أحد من المكلّفين الذين عرفوا ذلك بتعريف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فظهر بذلك بطلان ما توهّمه المعترض على كلّ مذهب, وسقوطه على كلّ تقدير.
الفصل الثّاني: في بطلان احتجاج الجبريّة بقدر الله تعالى الذي هو علمه السّابق وقضاؤه النّافذ, ولنورد في هذا الفصل فوائد نفيسة من كلام علماء السّنّة وأئمة الحديث, يشتمل على تعريف ماهيّة القدر