للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشقة ملازمة لأكثر الأعمال الدنيوية والأخروية, وقد يشقّ على الإنسان قيامه من مجلسه إلى بيته, ونحو ذلك.

والعُسر في عرف اللسان العربي مستعمل في الأمور العظيمة لا في كل أمر فيه مشقّة, فإذا قيل: فلان في عسر, أفاد أنّه في شدّة عظيمة من مرض أو خوف أو فقر شديد أو غير ذلك, وقد يطلق على ما هو دون ذلك مع القرينة, فأمّا إذا تجرّد الكلام عن القرينة, وقيل: إنّ فلاناً في عسر, لم يسبق إلى الفهم أنّ معنى ذلك: أنّه في قراءة في العلم, وتعليق للفوائد, ولو كان هذا عسراً لكان الجهاد [عسراً] (١) والحج عسراً, والورع الشّحيح عُسرين اثنين, وعبادة الله كأنك تراه أعسر وأعسر, ولكانت الشّريعة كلّها أو أكثرها تشديداً وتعسيراً وتحريجاً وتغليظاً. وما بهذا نطق القرآن, ولا به جاء صاحب بيعة الرضوان. بل نفى الله الحرج عن الدين, ووصف الشّريعة بالسّهولة سيد المرسلين, وإنّما الحرج في صدور المتعنّتين.

فإن قيل: فإذا كانت الشريعة سهلة فما معنى: ((حفّت الجنة بالمكاره)) (٢) , ولأي شيء مدح الله الصابرين, ووصّى عباده بالصبر؟.

قلنا: لأن النّفوس الخبيثة تستعسر السّهل من الخير لنفرتها عنه وعدم رياضتها عليه, لا لصعوبته في نفسه, ولهذا نجد أهل الصّلاح يستسهلون كثيراً مما يستعسره غيرهم, فلو كان العسر في نفس (٣) الأمر


(١) من (ي) و (س).
(٢) أخرجه مسلم برقم (٢٨٢٢) , من حديث أنس - رضي الله عنه -.
(٣) في (ي): ((نفسه)).