موسى - عليه السلام - , وفي هذا دليل على أن المصلحة يجوز أن تكون جزئية؛ لأنّ أهل السّفينة بعض المسلمين, ويجوز أن تكون ظنّيّة؛ لأنّه لا سبيل إلى العلم بما يقع فيه أهل الإسلام في المستقبل, وقد تكلّم غير واحد من العلماء في المصالح /وهذا (المختصر) لا يحتمل التّطويل بذكر ذلك, وأحسن من تكلّم في ذلك العلامة الكبير عزّ الدّين بن عبد السّلام في كتابه ((قواعد الأحكام في مصالح الأنام)).
الوهم الثّامن عشر: قدح المعترض على المحدّثين بالرّواية عن الزّهري, وجرح الزّهري بمخالطته للسّلاطين وإعانتهم على الظلم.
فأمّا مخالطة السّلاطين فقد كانت منه, ومن غير واحد ممّن أجمع أهل العلم على عدالتهم وفضلهم, ونبلهم, مثل: الإمام عليّ بن موسى الرّضى, والقاضي أبي يوسف -رحمهما الله تعالى-, ومن لا يأتي عليه العدّ.
وأمّا الإعانة على الظّلم فدعوى على الزّهري غير صحيحة, وقد ذكر العلماء -رضي الله عنهم- ما يجوز من مخالطة الظّلمة, وفرقوا بين المداراة والمداهنة. قال القاضي عياض و [المازري](١) في ((شرح مسلم)): المداهنة: بما كان من أمر الدّين, مثل أن يفتيه بغير حقّ, والمداراة: ما كان من أمور الدّنيا.
قلت: الحجج على جواز المخالطة إذا لم يكن معها معصية ظاهرة, ولنذكر منها وجوهاً.
(١) تحرّفت في (أ) و (ي) إلى ((المارودي)). والتصويب من (س).