للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل عصره يخبرونهم بالشّريعة ويبلّغونهم الأحكام اتفق أهل ذلك العصر بفطر عقولهم السّليمة على وجوب العمل بما أخبرهم به رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يعلموا جواز ذلك بنصّ شرعيّ متواتر قطعي, ومن غير أن يستقبح ذلك منهم أحد, ولم يختلفوا ويتناظروا في ذلك, فثبت بهذا أنّ العمل بالظّنّ حسن عقلاً, وأن العمل له لم يزل بين المسلمين ظاهراً قديماً وحديثاً, ولا يخص من ذلك إلا ما خصّه الدّليل الشّرعي, وقد تعرّض ابن الحاجب لإبطال هذا الوجه فلم يأت بشيء, ولولا خوف التّطويل لبيّنت ذلك.

الحجّة الخامسة: قوله تعالى: ((فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما)) [البقرة/٢٧٥] وقوله تعالى: ((فإمّا يأتينّكم منّي هدى فمن اتّبع هداي فلا يضلّ ولا يشقى)) [طه/١٢٣] وأمثال ذلك, وهذا عام في كلّ ما جاء عن الله, سواء كان من كلامه -سبحانه- أو على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وسواء كان معلوماً أو مظنوناً, بل الأكثر من ذلك هو الذي جاء مظنوناً, وقد ثبت أنّ معنى القرآن الكريم منقسم إلى: معلوم ومظنون, وأنّا متعبّدون بهما معاً, وأنّ المعنى المظنون من جملة ما جاءنا من عند الله تعالى, فكذلك السّنّة فيها معلوم ومظنون, وكلّ منهما مما جاءنا من عند الله.

الحجّة السّادسة: قوله تعالى: ((وقالوا لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السّعير)) [الملك/١٠] فذمّهم الله تعالى بعدم الاستماع على الإطلاق, ولابدّ من تقييده بعدم استماع ما جاء من عند الله تعالى من معلوم أو مظنون, وإنّما قدّرنا ذلك لأنّ تقدير المعلوم وحده على خلاف الإجماع, فإنّ الأمّة أجمعت على وجوب الرّجوع إلى الأدلّة