المقدّمة الخامسة: في ذكر ترجيح التّأويل على التّكذيب فيما وجب تأويله من أحاديث الصّحاح التي ذكرها المعترض, وترجيح ذلك يظهر بذكر مرجّحات:
المرجّح الأوّل: أنّ القطع أنّهم تعتمدوا الكذب [فيها](١) يؤدّي إلى بطلان أمر مجمع على صحّته, وكلّ ما أدّى إلى ذلك فهو باطل, وقد تقدّم الكلام على إجماع طوائف الإسلام على الرّجوع إلى المحدّثين في علم الحديث, والاحتجاج بما رواه أئمتهم في مصنّفاتهم, فلا حاجة إلى إعادة ذلك.
المرجّح الثّاني: قوله تعالى: ((ولا تقف ما ليس لك به علم)) [الإسراء/٣٦]. والقول بأنّ ثقات الرّواة قد تعمّدوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - /مما ليس لأحد به علم, ومن قطع بذلك؛ فقد قطع بغير تقدير, ولا هدى, ولا كتاب منير, وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تكذيب أهل الكتاب في حديثهم خوفاً من تكذيب الصّدق وردّ الحقّ, فإنّ الكافر قد يصدق, فهذا في حقّ اليهود القوم البهت, فكيف بثقات المسلمين وأئمة الدّين؟!
المرجّح الثّالث: أنّ الخطأ في القبول أهون من الخطأ في الرّدّ والتّكذيب؛ لأنّا متى أخطأنا في القبول كان تصديقاً للنّبي - صلى الله عليه وسلم - موقوفاً على شرط صحّة الحديث عنه, ومتى أخطأنا في التّكذيب كان تكذيباً لكلامه متى صحّ أنّه كلامه, والتّصديق الموقوف بالضّرورة, أقصى ما في الباب: أن يكون الخطأ في القبول