للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجوب اضطرار فقد صرح القوم (١) بمعنى ذلك, فإنّهم صرّحوا بأنّ معنى ذلك الوجوب لا ينافي الاختيار, بل قال الرّازيّ: إنّ القول بأنّه ينافي الاختيار خروج من الإسلام, لأنّه يستلزم ذلك في حقّ الله تعالى, وينبغي معرفة هذه النّكتة فعليها المدار, وقد قال الرّازيّ: إنّ الجبر حقّ, وفسّر الجبر بوجوب وقوع فعل العبد عند رجحان الدّاعي لانتفاء الاختيار, وصرّح في غير موضع بأنّ القول بوجوب الفعل عند رجحان الدّاعي لا يوجب نفي الاختيار. فثبت بهذه الجملة أنّ الجبريّة ما أرادوا بالجبر وخلق الأفعال ما فهمته عنهم المعتزلة, ومع تصريحهم بمقصدهم يحرم نسبتهم إلى غيره.

الفرقة الثانية: أهل القول بالكسب من الأشعرية ورئيسهم القاضي أبو بكر الباقلاني, ومعنى الكسب عندهم: أنّ قدرة الله تعالى مستقلة بإيجاد ذوات أفعال العباد التي لا توصف بحسن ولا قبح, ولا يستحق عليها ثواب ولا عقاب, وقدرة العبد مستقلة بصفات تلك الأفعال التي توجب وصفها بالحسن والقبح, ويستحق عليها الثواب والعقاب.

مثال ذلك: أنّ أصل الحركة عندهم من الله, وأمّا كون تلك الحركة متّصفة بصفة مخصوصة مثل كونها صلاة أو زنا؛ فذلك أثر قدرة العبد, وهو أقرب الأقوال (٢) إلى قول المعتزلة من الطّائفة الأولى, لأنّ أكثر المعتزلة يقولون: إنّه لا تأثير لقدرة العبد إلا في صفات الفعل, لكن المعتزلة يقولون أيضاً بمثل ذلك في قدرة الله


(١) في (س): ((القول)) ‍.
(٢) في (س): ((وهؤلاء أقرب إلى قول)).