للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حديث عبد الله بن عمرو (١) مرفوعاً: ((إنّ الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً, وإنّما يقبض العلم بقبض العلماء, حتّى إذا لم يبق عالماً اتخذ النّاس رءوساً جهّالاً فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا (٢))). فهذا الحديث يقتضي (٣) أنّ العامّة قد يجتمعون على الضّلال والإضلال, ولا يكون إجماعهم حجّة يعصم من الضّلال.

النظر الثالث: أنّا لو سلّمنا أنّ إجماعهم حجّة لما دلّ على مذهبه, لأنّه فعل لا قول, وفعل الأمّة دليل على الجواز لا على الوجوب, لأنّهم إنّما عصموا عن الحرام لا عن المباح, فلا مانع من أن يكون فعلهم مباحاً, فلو قدّرنا أنّهم التزموا مذهباً لكان ذلك دليلاً على جواز ذلك لا على وجوبه, ونحن لا ننازعك في جواز ذلك وجواز خلافه, وإنّما نازعناك في مسألة مخصوصة لم ينقل أنّ الأمّة أجمعت فيها /بعينها إجماعاً قوليّاً ولا فعليّاً, فبان بهذه الأنظار أنّه وهم ثلاثة أوهام:

أحدها: أنّ الأمّة أجمعت على الالتزام, والإجماع إنّما انعقد على عدم الالتزام.

وثانيها: أنّ إجماع العامّة حجّة.

وثالثها: أنّ الإجماع الفعليّ دليل الوجوب, فلو أنّه احتجّ بتقرير العلماء للعامّة لكان أقرب له, وإن كان لا يسلم من وهمين, فوهمان


(١) في (س): ((عمر)) وهو خطأ.
(٢) تقدّم تخريجه (ص/٦٤).
(٣) في (س) ((يقضي)).