التّمييز يعرف ذلك في جميع العصاة, فكيف لا يعرفه موسى - عليه السلام - في حقّ أوّل أنبياء الله -عليهم السّلام- الذي أسجد الله له الملائكة الكرام!؟ فيجب ألا يكون قصد موسى - عليه السلام - مجرّد اللوام, وإنّما أخرج الكلام مخرج التّعجّب والاستغراب من وقوع مثل ذلك من أهل مقام النّبوّة, سيّما ممّن أسكنه الله الجنّة وأسجد له الملائكة, وعلّمه الأسماء, وهداه واصطفاه, وحذّره من الشّيطان, ونهاه عن الشّجرة بعينها, وقطع معه الأعذار كلّها, فأراد موسى السّؤال عن السّبب الموقع /في ذلك مع استغراب شديد لوقوع الذّنب ممّن هذه حاله, واستطراف عظيم يهيج أسباب التنديم والتّحزين على ما كان.
وأمّا آدم - عليه السلام - فجوابه يحتمل وجهين:
الوجه الأول: أن يكون قصد تهوين ما ظهر من موسى - عليه السلام - من عظيم الاستغراب, وشديد الاستطراف لوقوع الذّنب منه, فأتى بما يمحو آثار الاستغراب والتّعجّب, ويحسم مادّة الاستنكار العتابي, وهو: سبق العلم, وجفوف القلم بجميع ما كان منه, ولا شك أنّها حجّة مسكتة للمتعجّب من وقوع الشّيء المستغرب له السّائل عن وقوعه بكيف الإنكارية, وبيان ذلك: أنّ الله تعالى لو أخبرنا بوقوع أمر من أفعالنا في وقت ثمّ لم يقع لكان هذا بالضّرورة ممّا يتحيّر العقلاء في الجواب عنه, ويتبلّد الأذكياء في معرفة وجهه, فإذا تقرّر ذلك؛ ثبت أنّ وقوع الشّيء مطابقاً لما مضى فيه من علم الله تعالى غير مستنكر في العقل ولا يدفع في النّظر, إذ من المستقبح أن يقول القائل: كيف وقع ما أخبر الله به مثل ما أخبر؟ أو كيف وقع الذي علم