للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليست برهانية, والدّليل على ذلك: أنّهما لم يتنازعا في أمر يصح فيه من مثلهما الجهل المحض الذي لا يغسل أدرانه إلا صريح البراهين القاطعة, ولا يجلو ظلامه إلا شروق الأدلّة الصّادعة, وقد ظهر هذا من كلامهما ظهوراً لا يخفى.

أمّا موسى فإنه هو الذي بدأ الخطاب, وفتح هذا الباب, فسأل آدم - عليه السلام - عن كيفية ذنبه, وأكله الشّجرة وأتى بكيف الإنكارية, ولا شكّ أنّ السّؤال عن الكيفية المحقّقة غير مقصود, فإنّه يعرف كيف أكل الشّجرة, فلم يقصد حقيقة السّؤال, وإنّما قصد إظهار التّعجّب والاستنكار (١) لما فعله آدم - عليه السلام - وورود ((كيف)) بمعنى ذلك كثير شهير, من ذلك قوله تعالى: ((كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم)) [البقرة/٢٨] فإنّه تعالى لم يرد محض السّؤال عن كيفية الكفر, ويؤيّد ما ذكرته: أنّ موسى - عليه السلام - قدّم قبل السؤال, عن كيفية أكل الشجرة, السّؤال عن اصطفاء الله تعالى لآدم, ثمّ عقب ذلك السّؤال عن كيفية وقوع الذّنب منه, فظهر أنّه أراد كيف كان منك الذي كان من الذّنب, وأنت من الله تعالى بتلك المنزلة الرّفيعة والمحلّ العظيم!؟ ويؤيّد ما ذكرته من أنّ موسى - عليه السلام - قصد المعاتبة, أو معرفة هذا السّبب العجيب الذي أوقع آدم - عليه السلام - في ذلك مع جلالة قدره: أنّ موسى - عليه السلام - أجلّ من أن يجهل أنّ التّائب من الذّنب غير مستحق للذّمّ, وأدنى أهل


(١) في (س): ((والاستشكال)).