للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: هذا جهل باللغة والبلاغة, بل جهل بما في الكتاب والسّنة من ذلك. وقد تقدّم شيء من ذلك في هذا النّوع الذي نحن فيه, وفي القرآن العظيم ما هو أعظم ممّا ذكرناه, ولو لم يرد في جواز هذا, والشّهادة بالبراءة له من الكذب (١) إلا قول الله تعالى: ((إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً)) [الإنسان/١٩] فإنّا نعلم أنّ من رأى الولدان الحسان لا يحسبهم لؤلؤاً منثوراً في صفاء ألوانهم, وحسن منظرهم كالدّرّ. ووصفه للدّرّ بأنّه منثور من جملة ما ذكرنا من ترشيح الاستعارة.

وكذلك قول الكاتب: كلام لو مزج به ماء البحر لَعَذُبَ/ طعمه, ليس بكذب؛ لأنّ المتكلّم به لم يقصد أن يوهم السّامع حقيقة ذلك, ولا خاف من السّامع أن يتوهّم ذلك, وإنّما قصد وصف الكلام بالبلاغة لا غير, وعرف أنّه لا يفهم من عبارته إلا ذلك, فكأنّ أهل اللسان وضعوا لوصف الكلام بالحسن عبارتين:

إحداهما: أن يقول: كلام فصيح أو بليغ, أو نحو ذلك.

وثانيهما: أن يقول: كلام لو مزج به ماء البحر لعَذُبَ ونحو ذلك, وهذا يخالف الكذب القبيح, فإنّ الكذب هو: ما قصد المتكلّم به إيهام السّامع ما ليس بصدق, والمتجوّز لم يقصد ذلك, (٢وهذا هو الفرق بين الاستعارة والكذب, كما ذكره أهل البيان (٢) , وقد أكثرت


(١) تحرّفت في (س) إلى ((الكتب))!.
(٢) ما بينهما ساقط من (س).