للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على هذه الصّفة, وأراد أن يقتله دفع موسى عن نفسه.

فإن قلت: أليس في الحديث أنّ ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال: يا ربّ أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت وهذا يدلّ على أنّه قد أخبره أنّه ملك الموت, وأنّه جاء لقبضه.

والجواب: أنّ هذا لا يدلّ على معرفة موسى لملك الموت, لأنّ معرفة ملك الموت لكراهة موسى للموت لا تستلزم معرفة موسى للملك بنصّ ولا مفهوم, ولا معقول ولا مسموع, ولو أنّ الملك جاء على صورة البشر وادّعى أنه ملك, ولم يظهر لموسى ما يدلّ على صدقه, ولا خلق الله فيه علماً ضروريّاً بذلك, لم يكن لموسى أن يصدّقه في ذلك, وإلا جاز أن يدّعي بعض شياطين الجنّ أو الإنس مثل ذلك على الأنبياء -عليهم السّلام- ويجوز عليهم, وهذا ما لا يجوز أبداً.

ويدلّ على ما ذكرناه من عدم (١) معرفة موسى للملك: أنّه قد ثبت في الحديث الصّحيح أنّ الله تعالى لا يقبض نبيّاً حتّى يخيّره (٢)

, فلمّا جاء ملك الموت لقبض روح موسى من غير تخيير, أمكن أن يكون موسى قد علم أنّه لا يقبض حتّى يخيّر, فشكّ في صدقه لذلك, والذي يدلّ على هذا دلالة ظاهرة, أنّه قد ورد في هذا الحديث بعينه أنّ


(١) سقطت من (س)!.
(٢) من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنّه لم يقبض نبيّ حتّى يرى مقعده من الجنّة ثم يخيّر ... )) الحديث.

أخرجه البخاري ((الفتح)): (٧/ ٧٤٣) , ومسلم برقم (٢٤٤٤).