والمعترض بالغ في التّشكيك على من أراد الرّجوع إلى الكتاب والسّنة, بحيث لو تصدّى بعض الفلاسفة للتشكيك على المسلمين في الرّجوع إلى كتاب ربّهم الذي أنزل عليهم, والاعتماد على سنّة رسولهم الذي أرسل إليهم ما زاد على ما ذكره المعترض, فإنّه تشكيك في صحة الأخبار النّبويّة, وتشكيك في جميع طرقها, فمنع القول بصحّة حديث المحدّثين, وأوجب معرفة الأسانيد وبراءة رواتها عن فسق التأويل, فمنع بذلك صحة قبول حديث المعتزلة والزّيدية, فإنّ عامّة حديثهم مرسل, ونصوا على قبول المتأولين / ومن لم يقبل المتأوّلين منهم قبل مرسل من يقبلهم كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فإن كان لهم حديث مسند في بعض الكتب البسيطة فإن الإسناد يضرّ ولا ينفع, لأنّه: مع الإسناد لا يجوز قبول الحديث عند من يقبل المرسل, فتعيّن البحث عن السّند, وليس لهم في علم الرّجال مصنّفات يمكن الرّجوع إليها بحيث لا يكون فيها اعتماد على أهل الحديث, ولا من المعتزلة والزّيدية الذين يقبلون أهل الحديث, فثبت أنّه لابدّ من الرّجوع في علم الرّجال إلى المحدثين.
لكنّ المعترض قد منع ذلك فلزمه طرح الحديث كلّه: حديث أهل الأثر, وحديث المعتزلة والزّيدية, لأنّه يمنع من قبول كلّ حديث احتمل أنّ في رواته (١) فاسق تأويل مجرّد احتمال, وقال: لابدّ من تبرئة صحيحة, وسيأتي تحقيق هذا.