للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منحصرة ومراتب غير منضبطة, وبين النّاس من التّفاوت ما لا يمكن ضبطه ولا يتهيّأ, وأين الثّريّا من الثّرى؟

وجامد الطّبع بليد الذّهن, إذا سمع [من] (١) يدّعي سهولة ارتجال القصائد والخطب, وتحبير الرّسائل والكتب؛ توهّم أنّه بمنزلة من يدّعي إحياء الموتى, وإبراء الأكمة والأبرص, وكذلك الجبان الفشل إذا سمع [من] يدّعي سهولة مقارعة الأقران ومنازلة الشّجعان.

وكم عاصر أئمة العلم والنّحاة والنّظّار وحفّاظ الحديث من طالب للعلم مجتهد في تحصيله؛ فلم يبلغ مبلغهم ولا قارب شأوهم, وإنّما تميّز عن الأقران أفراد من الخلق, وخواصّ منحهم الله الفهم والفطنة وآتاهم الفقه والحكمة, وقد وقع التّفاضل بين الصّحابة -رضي الله عنهم-: فكان علي - رضي الله عنه - أقضاهم, ومعاذ أفقههم, وأبيّ أقرأهم, وأبو هريرة أحفظهم, والخلفاء أفضلهم, وزيد أفرضهم (٢) , بل قد فاضل الله تعالى بين الأنبياء -عليهم السلام- قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُم عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:٢٥٣] وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء:٧٩] , فهذا تفضيل في الفهم بين داود وسليمان - عليهما السلام- مع الاشتراك في النّبوّة, والتّقارب ما بين الأبوّة والبنوّة, وكذلك قد فاضل الله بينهم فيما هو دون هذه المرتبة, وذلك في البيان والفصاحة


(١) في (أ) و (ي): ((ممن)) , والمثبت من (س).
(٢) انظر رسالة مستقلة في تخريج حديث: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ... )) لمشهور حسن.