للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثانيهما: أنّه سبحانه وتعالى لا يذمّ ما لا يعقل كما لا يذمّ الأنعام لعدم العقل, إذ من لا عقل له لا ذنب له في عدم العقل, وإنّما قال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ} [الفرقان:٤٤]. ذمّاً للغافلين عن تدبّر الآيات, لا ذمّاً للأنعام السّائمات (١).

إذا ثبت ذلك فالمراد ذمّهم بالجفاوة, وعدم الفهم للعوائد الحميدة (٢) , وآداب أهل الحياء والمروءة, وهذا ليس من الجرح في شيء, فإنّ لطف الأخلاق, والكيس في الأمور, ليس من شروط الرّواية, لأنّ مبني الرّواية على ظنّ الصّدق, وأولئك الأعراب لا سيما ذلك الزّمان كانوا من أبعد النّاس عن الكذب والظّنّ لصدقهم قوي, لا سيّما في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - , ولابدّ إن شاء الله تعالى من الإشارة إلى أنّ الكذب على الله ورسوله أبعد ما يجوز وقوع المسلم فيه من المعاصي في غالب الأحوال, إلا أعداء الله تعالى من الدّجالين الكذّابين خذلهم الله تعالى.

الوجه الرّابع: أنّ صدور مثل هذه القوارع على جهة التّأديب للجاهلين والإيقاظ للغافلين من الله تعالى, أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يدلّ على فسقه وخروجه من ولاية الله تعالى, فقد نزل من الآيات القرآنية ما فيه تقريع لبعض الصّالحين, وتأديب لبعض الأنبياء والمرسلين, وقد قال الله تعالى لخيار المهاجرين والأنصار: {لَولاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا


(١) في (س): ((السائحات))!.
(٢) في (س): ((الفوائد الحميدة))!.