والمحدّثون يرون أنّه لو كان يحفظه عنهما معاً لرواه كذلك لتلامذته وطلبة العلم منه, ولمن يقبل ذلك أن يقول: يحتمل أنّه ذكر تلك الطّريق الثّانية بعد نسيان, أو استفادها بعد جهل, أو تذكّرها بسبب سؤال عنها, أو ذكرها بحسب الدّاعي إلى ذكرها أو نحو ذلك, فمع هذه التّجويزات لا يحسن طرح مثل ذلك, فإن ترجّح طرحه لأحد؛ فلا وجه للاعتراض على من قبله, فبان لك أنّ الأمر في مثل هذا قريب النظر إلى الحديث في نفسه, وكذلك النّظر إلى راوي الحديث؛ لأنّه إنّما يدلّ على أنّ الثّقة وهم في روايته, والوهم جائز على الثّقات, /ولايقدح بمطلقه إجماعاً, بل ادّعى عبد الله بن زيد العنسي الإجماع على قبول حفظه أكثر من وهمه, ذكره في ((الدّرر المنظومة)) , وذلك هو المشهور في كتب الأصول, ولكن لم يصرّحوا بدعوى الإجماع عليه.
وأمّا إذا استوى وهمه وحفظه؛ فاختلفوا: فالمشهور ردّ حديثه ببطلان رجحان صدقه, ومنهم من قال: لا يجوز ردّ حديثه لأنّ الأدلّة الموجبة لقبوله تعمّ هذه الصّورة, واستواء حفظه ووهمه لا ينتهض مخصّصاً مانعاً من العمل بالعام مسقطاً للتّكليف بقبوله, وممّن اختار هذا من الزّيديّة: عبد الله بن زيد في ((الدّرر)) , والإمام المنصور بالله في ((الصّفوة)) وإنّما أجمع العلماء على ردّ حديث من (١) وهمه أكثر من إصابته.
وأمّا المحدّثون: فهم أكثر النّاس تشديداً في القدح بالوهم؛