فانظر ما في هذه القصّة من عدل الصّحابة -رضي الله عنهم-.
أما عثمان فأمر بجلد الوليد مع أنّه أخوه لأمّه, ولم يقنع بجلده حتّى جلده (١) بيد عليّ - رضي الله عنه - , لأنّه عدوّ الوليد, وبينهما ما قدّمنا, فهذا إنصاف عثمان لعليّ -رضي الله عنهما-.
وأمّا عليّ - رضي الله عنه - فلأنّه لم يغتنم الفرصة في عدوّه, ويتشفّى في جلده بيده, ويستوفي الحدّ ثمانين, بل أمر عبد الله بن جعفر بحدّ الوليد, ومنعه من الزيادة على أربعين مع تصريحه أنّ الثّمانين عنده سنّة -فرضي الله عنهم وأرضاهم-, فلقد كانوا خير أمّة أخرجت للنّاس كما وصفهم الله تعالى.
فيا أيّها المدّعي على أهل البيت أنّهم يقولون بعصمة الصّحابة أجمعين, ويفضّلونهم على الأنبياء والمرسلين, كيف تصنع بجحد هذه النّصوص البيّنة والأدلّة النّيّرة! وكيف تجترىء معها على رمي المحدّثين بأنّهم لا يجيزون الكبائر على أحد ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنّهم يقولون: إنّ الصّحابي إذا فعل المعصية الظّاهرة عدّوها صغيرة, فالوليد بن عقبة صحابيّ بإجماعهم, أمالك يا هذا حياء يكفّك عن مثل هذه الأكاذيب الواضحة والأباطيل الفاضحة؟! وإنّما قال المحدثون: إنّ الصّحابة عدول في الظّاهر كما قدّمنا ليخرج من ذلك من فعل الكبائر من غير تأويل كالوليد بن عقبة, وإنّما ذكروا أنّ الصحابة كلّهم عدول على الإطلاق؛ لأنّ ذلك هو الكثير, وليس يخرج منه إلا النّادر اليسير, فالفاسق الذي لم يظهر التّأويل في ذلك الصّدر كالشّعرة